كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 1)

وإذا حصل للأمة استخدمته في إعلاء كلمة الله ونشر دينه.
فالأرزاق ليست هي التي تحدد مكانة الناس في هذه الأرض، فضلاً عن مكانتهم في الآخرة، بل إنها يمكن أن تصبح من أسباب شقوة البشرية، لا في الآخرة المؤجلة بل في الدنيا المعجلة كما هو مشاهد اليوم.
{فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)} [التوبة: 55].
والذين يركزون على جمع الأموال، ويغفلون قيمة الدين، هم حقاً أعداء البشرية، الذين لا يريدون لها أن ترتفع عن مستوى الحيوان، ولا على مطالب الحيوان.
ويهدفون من وراء ذلك إلى القضاء على القيم الإيمانية، وعلى العقيدة التي تعلق قلوب الناس بما هو أرفع من مطالب الحيوان، دون أن تغفل ضروراتهم الأساسية من الطعام والشراب، واللباس والنكاح ونحوها.
وهذا الصياح والصراخ المستمر بكل وسيلة وبكل مكان، وفي كل وقت بتضخيم الأموال والإنتاج المادي، بحيث يطغى الانشغال به على حياة الناس وتفكيرهم ودينهم، ومتطلبات إيمانهم من العمل الصالح، والدعوة والجهاد.
وبحيث يتحول الناس إلى آلات تلهث وراء الدرهم والدينار، وتعدها قيمة الحياة الكبرى، وتنسى في عاصفة الصياح المستمر: الإنتاج .. الإنتاج .. الإنتاج.
تنسى كل القيم الروحية والأخلاقية، وتهمل الشعائر التعبدية، وتدوس هذه القيم كلها في سبيل الإنتاج المادي.
هذا الصياح الذي عمّ وطمّ ليس بريئاً مراداً لذاته، إنما هو خطوة مدبرة محكمة لإقامة أصنام تعبد في الأرض، بدل أصنام الجاهلية الأولى، وتكون لها السيادة العليا على القيم جميعاً.
وعندما يصبح الإنتاج المادي صنماً يكدح الناس من أجله، ويطوفون به صباحاً ومساء، فإن الدين والأخلاق والقيم تداس في سبيله.

الصفحة 1002