كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 1)

وتنتهك الأعراض والأخلاق والأسر والحريات، وتداس كلها إذا تعارضت مع توفير الإنتاج .. وهذا ما حصل .. ولا يزال يحصل.
فماذا تكون الأرباب والأصنام إن لم تكن هذه البلوى، التي جعلت المال مكان الإيمان، والأشياء مكان الأعمال الصالحة؟.
وخدعت الناس بعمارة الدنيا، وتخريب الآخرة؟.
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)} [لقمان: 33].
إن الأموال نعمة من الله كسائر النعم، ولكنها بدون الدين تجعل الإنسان عبداً لها، وتصبح لعنة يشقى بها الناس، لأنها يومئذ تستخدم في إعلاء القيم الحيوانية والآلية على حساب القيم الإيمانية العليا.
إن اعتراف الإنسان بأن الله هو الخالق الرازق يتبعه قطعاً أن يكون الله هو الرب المعبود، وأن يكون هو الذي يحكم في أمر الناس كله، ومنه أمر هذه الأرزاق التي أعطاها الله البشر، وهي تشمل كل ما يرزقهم من السماء والأرض.
فليس لأحد أن يحلل أو يحرم فذلك حق الله وحده.
وهؤلاء الذين يحللون ويحرمون بما لم يأذن به الله، إنما يعتدون على حق الله وهو أمر التشريع، وهؤلاء ظالمون كافرون، كاذبون، ومن أطاعهم فهو مشرك مثلهم: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)} [يونس: 59].
فالمشروعون اعتدوا على حق الله في الربوبية، وأتباعهم اعتدوا على حق الله في العبودية، وهو تناقض قبيح .. يدمغ الطرفين بالكفر والشرك، وكلاهما مركب إلى النار: {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60)} [يونس: 60].
والله رؤوف بالعباد، وذو فضل على الناس برزقه المادي الذي أودعه في هذه

الصفحة 1003