كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 1)

إن أسباب الرزق الظاهرة قائمة في الأرض حيث يكد فيها الإنسان ويكدح، وينتظر من ورائها الرزق والنصيب.
ولكن القرآن يرد بصر الإنسان، ونفسه إلى السماء، إلى الغيب، إلى الله، ليتطلع هناك إلى الرزق المقسوم، والخط المرسوم.
أما الأرض وما فيها من أسباب الرزق الظاهرة فهي آيات للموقنين، آيات ترد القلب إلى الله، ليتطلع إلى الرزق من فضله، ويتخلص من أثقال الأرض، وأوهاق الحرص، والأسباب الظاهرة للرزق، فلا يدعها تحول بينه وبين التطلع إلى المصدر الأول الذي أنشأ هذه الأسباب.
والقلب المؤمن بربه يدرك هذه اللفتة، ويعرف أن المقصود بها ليس هو إهمال الأرض وأسبابها، فهو مكلف بالخلافة فيها وتعميرها، إنما المقصود هو ألا يعلق نفسها بها، وألا يغفل عن الله في عمارتها.
ليعمل في الأرض وهو يتطلع إلى السماء، وليأخذ بالأسباب وهو يستيقن أنها ليست هي التي ترزقه، فرزقه مقدر في السماء، وما وعد الله لا بد أن يكون في مكانه وزمانه ومقداره.
وبذلك ينطلق قلبه من أسار الأسباب الظاهرة في الأرض، ويراها آيات تدله على خالق الأسباب، ويعيش قلبه موصولاً بالسماء، وقدماه على الأرض، والإيمان هو الوسيلة التي تجعل الإنسان مفضلاً على العالمين.
وإذا استقام الناس على الدين، أفاض الله عليهم الرزق والرخاء، وابتلاهم به، لينظر أيشركون أم يكفرون.
فإذا آمنوا واتقوا فتحت عليهم بركات السماء والأرض، وتدفقت عليهم الأرزاق.
وإذا حادوا عن الطريق استلبت منهم الخيرات، وما يزالون في نكد، وفي شظف حتى يعودوا إلى الله: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)} [الجن، 16، 17].

الصفحة 1013