كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 1)

الجزيل، والأجر بغير حساب كما قال سبحانه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)} [الزمر: 10].
وهؤلاء الصابرون إذا أصابتهم مصيبة مما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما يعلمون أنهم مملوكون لله، مدبرون تحت أمره، وليس لهم من أنفسهم شيء. فإذا تصرف فيهم أرحم الراحمين بشيء، فإنما يتصرف بمماليكه ومخلوقاته، فلا اعتراض عليه، والله أرحم بالعبد من نفسه، فينبغي للعبد الرضا عنه، والشكر له فيما قدر وفعل.
وكل عبد راجع إلى ربه، فإن صبر واحتسب وجد أجره موفراً عنده، وإن جزع وسخط لم يكن حظه إلا السخط وفوات الأجر.
فكون العبد يعلم أنه لله، وكونه راجعاً إليه، من أقوى أسباب الصبر.
وجزاء هؤلاء الصابرين صلوات من ربهم ورحمة وهداية كما قال سبحانه في جميع ما سبق: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة: 155 - 157].
فعلى العباد توطين نفوسهم على المصائب قبل وقوعها .. لتخف وتسهل إذا وقعت .. وعليهم معرفة ما تقابل به إذا وقعت وهو الصبر .. ومعرفة ما يعين على الصبر من إدراك العبد أنه لله، وإليه راجع .. ومعرفة ما للصابر من الأجر .. وهو أنه يعطى من الأجر بغير حساب .. ويصلي الله عليه ويرحمه ويرزقه الهداية .. سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
وما يصيب العباد من الخير والشر، ومن الحسنات والسيئات، كله بقضاء الله وقدره، فكل حصب وكثرة مال، فهو من عند الله، وكل جدب وقحط وهلاك أموال، فهو من عند الله كما قال سبحانه: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)} [النساء: 78].

الصفحة 1019