كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 1)

هم ولا غم ولا أذى إلا كفر الله به من خطاياه.
وأذى الخلق كلهم لك كالدواء الكريه من الطبيب المشفق عليك، فلا تنظر إلى مرارة الدواء وكراهته، ومن كان على يديه.
وانظر إلى شفقة الطبيب الذي ركبه لك، وبعثه إليك على يدي من نفعك بمضرته، فلله در هذه الأنفس الزكية التي وصلت إلى هذا الشعور.
ويشهد كون تلك البلية أهون وأسهل من غيرها، فإنه ما من محنة إلا وفوقها ما هو أقوى منها وأمر، وسلامة الإسلام والتوحيد أهم من سلامة البدن والمال.
ويشهد كذلك توفية أجر المصائب وثوابها يوم الفقر والفاقة.
والعاقل يعد هذا ذخراً ليوم الفقر والفاقة، ولا يبطله بالانتقام الذي لا يجدي عليه شيئاً.
العاشر: مشهد الأسوة الحسنة، وهو مشهد شريف جداً، فإن العاقل اللبيب يرضى أن يكون له أسوة حسنة برسل الله وأنبيائه وأوليائه، وخاصته من خلقه، فإنهم أشد الخلق بلاء، وأشد الخلق ابتلاء بالناس.
وأذى الناس لهم سريع ومتنوع، وكثير ومستمر، خاصة سيد البشر - صلى الله عليه وسلم - الذي عودي وأوذي، وأخرج وكذب، فما انتقم لنفسه، وإنما أمره الله بالصبر الجميل، والصفح الجميل كما قال سبحانه: {وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)} [الحجر: 85].
الحادي عشر: مشهد التوحيد.
وهو أجل المشاهد وأرفعها، فإذا امتلأ قلبه بمحبة الله والإخلاص له، وحسن معاملته، وإيثار مرضاته، والتقرب إليه، وقرة العين به، واطمأن إليه، وسكن إليه، وفوض إليه أموره كلها، ورضي به، وتوكل عليه، وخافه ورجاه، فإنه لا يبقى في قلبه متسع لشهود أذى الناس له البتة، فضلاً عن أن يشتغل قلبه وفكره بطلب الانتقام والمقابلة.
ومن امتلأ قلبه بأعلى الأغذية وأشرفها، فإنه لا يلتفت إلى ما دونها: {ذَلِكَ

الصفحة 1024