كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 1)

كما أن له الملك التام العام، فلا يملك كل شيء إلا هو.
فحمده سبحانه وحكمته في خلقه وأمره شامل لكل ما يحدثه من إحسان ونعمة، وامتحان وبلية، وما يقضيه الله من طاعة ومعصية.
والله تعالى محمود على كل ذلك مشكور، وله حمد المدح، وحمد الشكر.
أما حمد المدح فالله تعالى محمود على كمال ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهو المحمود على كل ما خلق وأمر، فهو رب العالمين، والحمد لله رب العالمين.
وأما حمد الشكر فلأن ذلك كله نعمة في حق المؤمن، إذا اقترن بواجبه من الإحسان.
والنعمة إذا اقترنت بالشكر صارت نعمة، والامتحان والابتلاء إذا اقترنا بالصبر كانا نعمة، والطاعات من أجل نعمه سبحانه.
والمعاصي إذا اقترنت بواجبها من التوبة والاستغفار والإنابة والذل والخضوع، فقد ترتب عليها من الآثار المحمودة، والغايات المطلوبة ما هو نعمة أيضاً، وإن كان سببها مبغوضاً مسخوطاً للرب سبحانه، ولكنه يحب ما يترتب عليها من التوبة والاستغفار.
والله سبحانه أفرح بتوبة عبده من فرح رجل أضل راحلته في أرض مهلكة، ثم طلبها وأيس منها ثم وجدها كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لله أفْرَحُ بِتَوْبَةِ العَبْدِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلاً وَبِهِ مَهْلَكَةٌ، وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً، فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ، حَتَّى اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ أوْ مَا شَاءَ الله، قَالَ: أرْجِعُ إلى مَكَانِي، فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ» متفق عليه (¬1).
فهذا الفرح العظيم الذي لا يشبهه شيء، أحب إليه سبحانه من عدمه، وله
¬_________
(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6308) واللفظ له، ومسلم برقم (2747).

الصفحة 1062