كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 2)
والتوحيد هو أساس الأعمال كلها، وهو قلبها ولبها وروحها، فكل عمل ليس معه التوحيد فهو باطل ولو كان على السنة، فقبول الأعمال له شرطان: أن تكون خالصة لله، وأن تكون على طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم -: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف: 110]
فالقلب الذي يوحد الله، يدين لله وحده بكل شيء، ولا يحني هامته لأحد سواه، ولا يطلب شيئاً من غيره، ولا يعتمد على أحد من خلقه.
فالله وحده هو القوي عنده، وهو القاهر فوق عباده، والعباد كلهم ضعاف مهازيل لا يملكون له نفعاً ولا ضراً.
فلا حاجة به إلى أن يحني هامته لواحد منهم، وهم مثله لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً.
والله وحده هو الغني وما سواه فقير، يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} [فاطر: 15].
والقلب الذي يوحد الله، يؤمن بأنه الإله الذي يصرف الوجود كله، ومن ثم لا يختار غير ما اختار الله من الأحكام والشرائع، بل يطيع أمره وشرعه.
والقلب الذي يوحد الله يدرك القرابة بينه وبين كل ما أبدعت قدرة الله في هذا الكون من أشياء وأحياء، فيأنس بالله، ويتفكر في مخلوقاته، ويتحرج من إيذاء أحد، أو إتلاف شيء، أو التصرف في شيء إلا بإذن الله.
خالق كل شيء .. ورب كل شيء .. ومالك كل شيء.
والقلب المؤمن بحقيقة التوحيد .. هو القلب الذي عرف الله فتعلق به، ولم يلتفت إلى أحد سواه.
فهو يقطع الرحلة على هذه الأرض على هدىً وبصيرة، لأن قلبه وبصره معلق باتجاه واحد، ولأنه لا يعرف إلا مصدراً واحداً للحياة والرزق، ومصدراً واحداً للنفع والضر، ومصدراً واحداً للعطاء والمنع.
فتستقيم خطاه إلى هذا المصدر الواحد، ويعبد رباً واحداً، يعرف ماذا يرضيه
الصفحة 1104
3679