كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 2)

لمن ينحرفون عن فطرتهم الأولى، فيحتاجون إلى التذكير والتحذير فالتوحيد ميثاق معقود بين فطرة البشر وخالق البشر منذ بداية خلقهم: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)} [الروم: 30].
فلا حجة لهم في نقض الميثاق، حتى لو لم يبعث الله إليهم بالرسل يذكرونهم ويحذرونهم، ولكن رحمة الله وحدها اقتضت ألا يكلهم إلى فطرتهم هذه فقد تنحرف، وألا يكلهم إلى عقولهم فقد تضل، فبعث إليهم الرسل مبشرين ومنذرين ومذكرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
ألا ما أعظم قدرة الخلاق العليم، إنه مشهد عجيب فريد حين يتملاه الخيال البشري جهد طاقته، وحينما يتصور تلك الخلايا التي لا تحصى وهي تجمع وتستشهد وتخاطب خطاب العقلاء، وتستجيب استجابة العقلاء، فتعترف وتقر وتشهد، ويؤخذ عليها الميثاق في الأصلاب.
إنه مشهد عظيم، مشهد الذرية المكنونة في عالم الغيب، المستكنة في ظهور بني آدم قبل أن تظهر إلى العالم المشهود، تقف أمام الذي خلقها وفطرها، فيسألها ألست بربكم؟
فتعترف كلها لله بالربوبية .. وتقر له سبحانه بالعبودية .. وتشهد له سبحانه بالوحدانية .. وهي منثورة كالذر في الكثرة والحجم.
إن الإنسان ليصيبه الذهول .. ويرتعش من أعماقه .. وهو يتملى هذا المشهد العظيم .. ويتصور هذا الذر السابح .. وفي كل خلية حياة .. وفي كل خلية استعداد كامن للاستماع والفهم والإجابة .. وفي كل خلية إنسان كامل الصفات ينتظر الإذن له بالنماء والظهور .. ويقطع على نفسه العهد والميثاق بالتوحيد قبل أن يبرز إلى حيز الوجود.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ أوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟». ثُمَّ

الصفحة 1114