كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 1)

إن الأنبياء والرسل وأتباعهم لما عرفوا الحق آمنوا به، وعملوا بأحكامه، وتخلقوا بأخلاقه، وهانت عليهم أنفسهم وأموالهم وأولادهم وشهواتهم وديارهم في سبيل دعوة الناس إلى ما أمرهم الله به، من الدين العظيم، والحق المبين، والصراط المستقيم.
إن البشرية كافة كما يحتاجون إلى الهواء والماء والطعام كل آن، ولا يستثنى من ذلك أحد، ولا تستقيم لهم حياة إلا بذلك، فكذلك الناس كلهم أشد حاجة إلى الدين الحق الذي يبين علاقة المخلوقات بخالقها، وينظم علاقة المخلوق بالمخلوق، ويوفر لهم السعادة في الدنيا والآخرة، إذا حققوا مراد الله من خلقه بالإيمان به وعبادته وطاعته، واتبعوا كتابه الذي أنزله عليهم، ورسوله الذي أرسله إليهم، واستقاموا على دينه:
في الإيمان .. والعبادات .. والمعاملات .. والمعاشرات .. والأخلاق.
ولما عرف الأنبياء والرسل وأتباعهم قيمة الدين الحق، وأدركوا حاجتهم الماسة إليه، وحاجة البشرية إليه، هان عليهم كل شيء من أجله، واستطابوا المرارات والمكاره من أجله، وتسابقوا في سبيل الدعوة إليه، ونشر سننه وأحكامه، وسيطر ذلك على قلوبهم وعقولهم، واستغرق ذلك جل أوقاتهم.
فصدرت عنهم عجائب الإيمان بالغيب .. وأحسن العبادات والمعاملات .. وأحسن الأقوال والأعمال والأخلاق .. وحب الله ورسوله .. ورحمة المؤمنين .. والشدة على الكافرين .. وإيثار الإيمان والأعمال على الأموال والأشياء .. وإيثار الآخرة على الدنيا .. وتقديم أوامر الله على شهوات النفس .. وإيثار الآجل على العاجل، والهداية على الضلالة .. والحرص على دعوة الناس .. وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد .. ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
واستهانوا بزخارف الدنيا وحطامها حين اشتاقت نفوسهم إلى لقاء الله، وقصور الجنة، وعلو الهمة.

الصفحة 13