كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 3)

لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95)} [الأعراف: 94، 95].
وكل قوم يُنظرون حتى يجيء رسولهم فينذرهم ويبين لهم، وبذلك يستوفون حقهم الذي أوجبه الله على نفسه، بأن لا يعذب قوماً إلا بعد الرسالة، وبعد الإعذار لهم بالبيان، وعندئذ يقضي بينهم بالقسط حسب استجابتهم للرسول كما قال سبحانه: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47)} [يونس: 47].
والأمر كله لله، وليس لأحد من الأمر شيء، وعلى الرسل والأنبياء والدعاة إبلاغ دين الله، والهداية بيد الله وحده، يسوقها لمن يستحقها ويطلبها، ويمنعها من لا يستحقها ولا يطلبها: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)} [فاطر: 8].
وجميع الأنبياء والرسل دعوا أقوامهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فمنهم من آمن، ومنهم من كذب.
وهؤلاء المكذبون لا يسكتون عن الحق وأهله، فيؤذون الرسل وأتباعهم، ويسبونهم ويسخرون منهم.
وبعد الإنذار الطويل، والتذكير الطويل، والتكذيب الطويل، لا بدَّ أن ينتصر الله لأوليائه من أعدائه.
فيتوجه النبي إلى قومه متحدياً لهم، متوكلاً على ربه، مستعيناً به وليس معه إلا الإيمان بربه، القوة التي تصغر أمامها القوى، وتتضاءل أمامها الكثرة، ويعجز أمامها التدبير.
إنه الإيمان بالله العزيز الجبار، الذي يصل صاحبه بمصدر القوة الكبرى المهيمنة على هذا الكون بما فيه.
وليس هذا التحدي غروراً ولا تهوراً ولا افتخاراً، إنه تحدي القوة الحقيقية

الصفحة 2124