كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 3)

وكل ما سوى الله قاصر وعاجز عن تلك الإحاطة بلا جدال، فلا يؤتمن على التشريع لحياة البشر مع ذلك القصور، وكيف يرضى الناس بمخلوق مثلهم أن يشرع لهم: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)} [الشورى: 21].
لقد شرع الله عزَّ وجلَّ للبشرية من الدين ما يوافق طبيعتها وفطرتها، ووضع الأصول لذلك، وترك للبشر استنباط التشريعات الجزئية التي تتجدد مع تجدد الحياة في حدود المنهج الكلي للدين، فإذا اختلفوا في شيء، رجعوا به إلى تلك الأصول الكلية التي شرعها الله للناس، لتبقى ميزاناً يزن به البشر كل تشريع جزئي، وكل تطبيق حادث على مدار الزمن.
وبذلك يتوحد مصدر التشريع، ويكون الحكم لله وحده وهو خير الحاكمين.
وما عدا هذا المنهج فهو خروج على شريعة الله، وعلى دين الله، وعلى ما وصى الله به نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً عليهم الصلاة والسلام.
ومع وضوح هذا إلا أن بعض الناس يجادلون في هذا، ويجرأون على استمداد التشريع من غير ما شرع الله، زاعمين أنهم يختارون لشعوبهم ما يسعدهم، كأنما هم أعلم من الله، وأحكم من الله، ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم.
لقد قضى الله عزَّ وجلَّ بإمهالهم إلى يوم الفصل، ولولا ذلك لقضى الله بينهم، فأخذ المخالفين لما شرعه الله، المتبعين لشرع من عداه بالجزاء العاجل، ولكنه أمهلهم ليوم الجزاء، وهناك ينتظرهم جزاء الظلم، وهل أظلم من المخالفة عن شرع الله إلى شرع من عداه؟.
إن الله تبارك وتعالى خالق كل شيء، وكل ما في السموات والأرض متوجه إلى ربه، مسبح بحمده، ذاكر له، مطيع له، وكل شيء شاعر بهذه الحقيقة، والله محمود بذاته، ممجد في مخلوقاته: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} [التغابن: 1].
فإذا وقف الإنسان وحده في خضم هذا الوجود الكبير كافر القلب، جامد

الصفحة 2711