كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 3)

الاضطرار لا بدَّ من الخضوع له، والاستسلام لأمره.
لكن المؤمن يسلم له طوعاً فيحبه ويطيع أمره، والكافر إنما يخضع لله عند رغبة أو رهبة، فإذا زال ذلك عنه أعرض عنه كما قال سبحانه: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67)} [الإسراء: 67].
والأعمال أسباب موصلة إلى الثواب والعقاب كغيرها من الأسباب، فالأعمال الصالحة كلها من توفيق الله ومَنِّه وفضله، وصدقته على عبده، فقد وفقه الله لها، وأقدره عليها، وأعانه عليها، وحببها إليه، وزينها في قلبه، وكره إليه أضدادها كما قال سبحانه: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)} [الحجرات: 17].
ومع هذا فالأعمال ليست ثمناً لجزائه وثوابه، ولا هي على قدره سبحانه، بل غايتها إذا بذل العبد فيها نصحه وجهده وأوقعها على أكمل الوجوه أن تقع شكراً لله على بعض نعمه عليه.
فلو طالبه ربه بحقه لبقي عليه من الشكر على ما يعلمه وما لا يعلمه ما لم يخطر بباله.
والعبد له في المأمور ثلاثة أحوال:
الأول: حال قبل الفعل، وهو العزم على الامتثال، والاستعانة بالله على ذلك.
الثاني: حال أثناء الفعل، وهو أن يؤديه أداءً حسناً كما جاء في السنة يبتغي به وجه الله عزَّ وجلَّ.
الثالث: حال بعد الفعل، وهو الاستغفار من التقصير، وشكر الله على ما أنعم به من الخير.
والناس في العبادة والاستعانة أربعة أصناف:
الأول: أهل العبادة لله والاستعانة به، وهؤلاء خيار الناس وأفضلهم، فعبادة الله غاية مرادهم، وطلبهم منه أن يعينهم عليها، فإن أنفع الدعاء طلب العون على

الصفحة 2786