كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 3)

الناس هذا البيت الذي يذكر بالله وشرعه وأنبيائه ورسله: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)} [قريش: 3، 4].
وليقتدوا بأنبياء الله ورسله في عبادتهم لربهم، وإخلاصهم له، ويقينهم عليه، وفي دعوتهم إلى الله، وجهادهم في سبيله، وبذل ما يملكون في سبيل إعلاء كلمته، وإقامة شريعته، وفي حسن أخلاقهم، وكمال عبوديتهم.
فهؤلاء الذين اختارهم الله رسلاً إلى خلقه هم قدوة البشر: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} [الأنبياء: 90].
فهم أئمة الدعوة والعبادة، السابقون لها، الموفون حقها، فلذلك اختارهم الله من بين خلقه يبلغون شرعه، ويقتدى بهم في سيرتهم: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)} [الأنبياء: 73].
وسعادة الناس في الدنيا والآخرة بإيمانهم بالله وعبادته وحده لا شريك له، واجتماع كلمتهم على الحق والهدى، وبعدهم عن الفرقة والخلاف، وهذه من أَجَلِّ نعم الله على العباد كما قال سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)} [آل عمران: 103].
وقد أرسل الله عزَّ وجلَّ نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - والعرب في خصام وتنافر، وتقاطع وتدابر، القلوب ملؤها الأضغان والأحقاد، والحروب بينهم متصلة، ونيرانها مشتعلة، يعبدون الأوثان، ويقترفون الآثام، ويظلمون الناس، ويبغون في الأرض بغير الحق.
فأمر الله رسوله أن يؤلف بين القلوب، ويسلك بهم طريق التآلف والوئام، ولما كانت هذه الطريق غير كافية لانتظام شمل المسلمين، وتوحيد كلمتهم،

الصفحة 2833