كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 3)

فَسَألُونِي، فَأعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْألَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أدْخِلَ الْبَحْرَ.
يَا عِبَادِي! إِنَّمَا هِيَ أعْمَالُكُمْ أحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ» أخرجه مسلم (¬1).
وأفضل الدعاء ما جمع بين التضرع والخفية، وإخفاء الدعاء أكمل إخلاصاً، وأعظم إيماناً، وأبلغ في التضرع والخضوع والخشية، وأعظم في الأدب والتوقير والتعظيم لله عزَّ وجلَّ، وأبلغ في جمعية القلب، وأدعى إلى دوام الطلب والسؤال، فإن اللسان لا يمل، والجوارح لا تتعب.
وإخفاء الدعاء يدل على قرب صاحبه من ربه، والله سميع قريب: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} [البقرة: 186].
وقد أمر الله عباده أن يسألوه كل شيء من خيري الدنيا والآخرة، فهو الغني الذي خزائنه مملوءة بكل شيء، ولا ينقص عطاؤه مما في خزائنه مثقال ذرة: {سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [يونس: 68].
والاعتداء في الدعاء محرم لا يجوز كما قال سبحانه: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)} [الأعراف: 55].
والاعتداء في الدعاء له صور:
كأن يسأل العبد ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات.
أو يسأل ما لا يليق به من منازل الأنبياء والمرسلين.
أو يسأل ما أخبر الله أنه لا يفعله لمنافاته الحكمة كأن يسأل ربه تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب، أو يسأله أن يجعله من المعصومين، أو يطلعه على الغيب، أو يهب له ولداً من غير
¬_________
(¬1) أخرجه مسلم برقم (2577).

الصفحة 2840