كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 3)

فهذان قسمان:
ثم قال: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ} فهذا طلب الخير المعدوم أن يؤتيهم إياه.
ثم قال: {وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} فهذا طلب ألا يوقع بهم الشر المعدوم.
وهذا غاية الحسن في الطلب، فقدم اللذين في الدنيا وهما المغفرة، ودوام الإسلام، ثم أتبعه بما في الآخرة أن يعطوا ما وعدوه، وأن لا يخزيهم يوم القيامة بدخول النار.
وما يحتاج العباد قسمان:
أحدهما: ما لا يقدر عليه إلا الله، فهذا لا يطلب إلا منه سبحانه، فهو القادر عليه وحده دون سواه مثل:
غفران الذنوب .. وهداية القلوب .. وإنزال المطر .. وإنبات النبات .. وشفاء المرض .. ونحو ذلك من جلب المنافع .. ودفع المضار.
الثاني: ما يقدر عليه الناس، فيستعان بالمخلوق فيما يقدر عليه من النصر والعون، والبذل والعطاء، ونحو ذلك.
فالأول لا يطلب إلا من الله وحده، ومن طلبه من غيره فقد أشرك، والثاني يطلب من الله ومن غيره ممن يقدر عليه.
والمأمور به شرعاً سؤال الله تعالى، والرغبة إليه، والتوكل عليه وحده في جميع الأمور كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» أخرجه أحمد والترمذي (¬1).
وسؤال الخلق ما يستطيعونه من الحاجات في الأصل محرم، لكنه أبيح
¬_________
(¬1) صحيح: أخرجه أحمد برقم (2669).
وأخرجه الترمذي برقم (2516)، صحيح سنن الترمذي رقم (2043).

الصفحة 2846