كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 3)

إما أن يعطي السائل حالاً .. أو يؤخره ليكثر المسلم من البكاء والتضرع .. أو يعطيه شيئاً آخر أنفع له من سؤاله .. أو يدفع به عنه بلاء .. أو يؤخره إلى يوم القيامة أحوج ما يكون إليه العبد، فلا نستعجل: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق: 3].
والله سبحانه هو الغني لذاته، الكريم لذاته، له الجود كله، يحب أن يسأل ويطلب منه ويرغب إليه، فخلق من يسأله، وألهمه سؤاله، وخلق له ما يسأله إياه.
فهو سبحانه خالق السائل وسؤاله ومسئوله، وذلك كله لمحبته سؤال عباده له، ورغبتهم إليه، وطلبهم منه.
فأحب خلقه إليه وأفضلهم عنده أكثرهم سؤالاً له، وهو سبحانه يحب الملحين في الدعاء، وكلما ألح العبد عليه في السؤال أحبه وقربه، وأعطاه من خيري الدنيا والآخرة.
فكم سائل لله في العالم العلوي والسفلي؟ .. وكم من سؤال سئل؟ .. وكم من دعوة أجابها؟ .. وكم عثرة أقالها؟ .. وكم من رحمة أنزلها؟ .. وكم من كربة كشفها؟ .. وكم من جبار قصمه؟ .. وكم من ذليل أعزه؟ .. وكم من مريض شفاه؟ .. وكم من جاهل علمه؟ .. وكم من فقير أغناه؟ .. وكم من سائل أعطاه؟ .. وكم من ضال هداه؟.
فسبحانه ما أعظمه، وسبحانه ما أكرمه: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)} [الرحمن: 29].
وسبحانه ما أوسع رزقه: «يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُونِي، فَأعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْألَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أدْخِلَ الْبَحْرَ» أخرجه مسلم (¬1).
¬_________
(¬1) أخرجه مسلم برقم (2577).

الصفحة 2850