كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 3)

المحمود في ذاته، وهو الذي يجعل من يشاء من عباده محموداً، فيهبه حمداً من عنده.
وقد أنزل الله هذا القرآن العظيم لا ليقرر عقيدة فحسب، ولا ليشرع شريعة فحسب، ولكن كذلك ليربي أمة على أجمل الصفات وأحسنها.
فالله هو الذي أنزل الشريعة، وهو الذي يعلم حاجة العباد، فمن الأدب أن يترك العبيد لربهم تفصيل الشريعة وبيانها، وأن يتركوا له كذلك كشف هذا الغيب أو ستره، وأن يقفوا في هذه الأمور عند الحدود التي أرادها الله ولا يشددوا على أنفسهم بتكلف ما لا يعينهم، ولا يجرون وراء الغيب يحاولون الكشف عما لم يكشف الله لهم منه وما هم ببالغيه.
والله أعلم بطاقة البشر واحتمالهم، فيشرع لهم في حدود طاقتهم، ويكشف لهم من الغيب ما تدركه طبيعتهم.
وقد نهى الله المؤمنين عن أن يسألوا أشياء يسوؤهم الكشف عنها فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101)} [المائدة: 101].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أنْبِيَائِهِمْ» متفق عليه (¬1).
فالمعرفة في الإسلام تطلب لمواجهة حاجة واقعية في حياة البشرية، والأحكام الشرعية تطلب ويسأل عنها عند وقوع الأقضية التي تتطلب هذه الأحكام.
وفي طوال العهد المكي لم ينزل حكم شرعي تنفيذي، وإنما تنزلت الأوامر والنواهي عن أشياء وأعمال، ولكن الأحكام العملية كالعبادات والمعاملات لم تنزل إلا بعد أن امتلأت القلوب بالإيمان، وجاء عند المسلمين الاستعداد لقبولها والعمل بها بعد الهجرة إلى المدينة.
¬_________
(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7288)، ومسلم برقم (1337) واللفظ له.

الصفحة 2853