كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 3)

وكذلك الأحكام التنفيذية كالحدود والتعازير والكفارات لم تنزل إلا بعد قيام الخلافة في الأرض، التي تتولى تنفيذ هذه الأحكام بعد الهجرة إلى المدينة.
وجميع الأنبياء والرسل قدموا الشكوى إلى الله وحده، فنوح توجه إلى ربه يشكو إليه قومه: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)} [القمر: 10 - 13].
فأنجاه الله ومن آمن معه، وأغرق من كفر به.
وقال يعقوب - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)} [يوسف: 86].
ويونس نادى ربه فأنجاه: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)} [الأنبياء: 87].
والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ودعا ربه كما دعا في بدر فنزل النصر، وكما استسقى في المدينة فنزل الغيث .. وهكذا.
فهل يليق بالعاقل إذا أصابته مصيبة وأراد حلها أن يذهب للمخلوق الصغير الفقير الذي ليس بيده شيء، ويترك الخالق الغني الكبير الذي بيده خزائن كل شيء، وهذا المخلوق المسؤول من حاكم أو وزير أو تاجر ذرة من خزائنه: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11].
فسبحان الملك العزيز الجبار الغني الكريم، الذي فتح أبوابه للسائلين، وملأ خزائنه للعالمين، وهي مع جزيل العطاء لا تنقص إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر كما قال سبحانه: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)} [الحجر: 21].
وقال الله عزَّ وجلَّ في الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُونِي، فَأعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْألَتَهُ،

الصفحة 2854