كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 3)

إن كل من سأل أو دعا غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك ظالم ضال، والعيان يصدق هذا، فإن المخلوقين إذا اشتكى إليهم الإنسان فضررهم أقرب من نفعهم؛ لما فيهم من الظلم والجهل والحسد.
فما أضل من يترك سؤال ربه ويدعو سواه: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)} [الحج: 12، 13].
والخالق جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه ولا إله غيره إذا اشتكى إليه أحد، أو أنزل حاجته به، أو استغفره من ذنوبه، أيده وقواه وهداه، وأعطاه وأغناه، ويسد فاقته وحاجته: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} [البقرة: 186].
فهو سبحانه وحده الذي يجيب المضطر الذي أقلقه الكرب، وتعسر عليه المطلوب، واضطر للخلاص مما هو فيه.
وهو سبحانه الذي يكشف السوء من شر وبلاء وفتنة ومصيبة، وهو الذي خلق الخلق، ومكنهم في الأرض، وأمرهم بالرزق: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)} [النمل: 62].
أفلا يستحي الإنسان أن يسأل غير الله، والله قد أمره بسؤاله، وتكفل بإجابة دعائه كما قال سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} [غافر: 60].
والمخلوق إذا أنزل العبد به حاجته استرذله وازدراه، ثم أعرض عنه ونساه -وإن قضى له بعض حاجته- فخسر الدنيا والآخرة.
فما أعجب حال هؤلاء، وما أضل عملهم وسعيهم، وما أشد خسارتهم: {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)} [الشعراء: 213].
فالله وحده هو الغني الحميد، وسؤال المخلوق للمخلوق هو سؤال الفقير

الصفحة 2856