كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 3)

وحسنة الآخرة هي السلامة من العقوبات في القبر والموقف والنار، وحصول رضا الله، والفوز بالجنة، والقرب من الرحمن ورؤيته.
وهذا الدعاء أجمع الدعاء وأكمله، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر من الدعاء به والحث عليه بقوله: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» متفق عليه (¬1).
وكل مطلوب للعبد يسأل بالمناسب له من أسماء الله وصفاته، فالعلم يسأل من العليم، والرزق من الرزاق، والعفو من العفو وهكذا.
ومن علم عبوديات الأسماء الحسنى والدعاء بها، وسر ارتباطها بالخلق والأمر، وبمطالب العبد وحاجاته عرف ذلك: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} [الأعراف: 180].
وذِكرُ الله عزَّ وجلَّ جلاء القلوب وصقالها، ودواؤها إذا اعتلت، وهو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عباده، ما لم يغلقه العبد بغفلته.
ودوام ذكر العبد لربه لما كان سبباً لدوام المحبة، وكان الله أحق بكمال الحب والعبودية والتعظيم والإجلال كان كثرة ذكر الله من أنفع ما للعبد، وكان عدوه حقاً هو الصاد له عن ذكر ربه وعبادته، ولهذا أمر الله سبحانه بكثرة ذكره في القرآن كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)} [الأحزاب: 41،42].
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أكمل الخلق ذكراً لله عزَّ وجلَّ، فكان يذكر الله على كل أحيانه، بل كان كلامه كله في ذكر الله وما والاه، وكان أمره ونهيه ذكراً منه لله، وإخباره عن أسماء ربه وصفاته وأحكامه، وأفعاله، ووعده ووعيده ذكراً منه لربه، وثناؤه عليه بآلائه وتمجيده وحمده وتسبيحه ذكراً منه له، وسؤاله ودعاؤه إياه، ورغبته ورهبته ذكراً منه له، وسكوته وصمته ذكراً منه له بقلبه.
¬_________
(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6389)، ومسلم برقم (2688).

الصفحة 2862