كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 4)

والمشركين والمنافقين، وفيمن سبق في علم الله أنه يعذبه من العصاة. كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48].
وينشأ للعبد من أعماله الصالحة كل ما تشتهيه نفسه وتلذ عينه من سائر المشتهيات، ويكون تنوع تلك المشتهيات وكمالها وبلوغها مرتبة الحسن واللذة والموافقة بحسب كمال عمل العبد وإخلاصه فيه، وتنوعه ومتابعته فيه للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وبلوغه مرتبة الإحسان فيه.
وينشأ له كذلك من أعماله السيئة كل ما تكرهه نفسه، وتستقبحه عينه من سائر المكروهات والمؤلمات، ويكون تنوع تلك الآلام وشدتها، وبلوغها مرتبة القبح والشدة بحسب أعمال العبد السيئة، وصده عن سبيل الله، وبحسب تنوع أعماله السيئة وخبثه وكبره وإعراضه.
فمن تنوعت أعماله المرضية لله المحبوبة له في هذه الدار، تنوعت الأقسام والمصائب التي يتألم بها في تلك الدار، وكثرت بحسب كثرة أعماله.
رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - قنواً من حشف معلقاً في المسجد للصدقة فقال: «لَوْ شَاءَ رَبُّ هَذِهِ الصَّدَقَةِ تَصَدَّقَ بِأَطْيَبَ مِنْهَا» وَقَالَ: «إِنَّ رَبَّ هَذِهِ الصَّدَقَةِ يَأْكُلُ الْحَشَفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه أبو داود والنسائي (¬1).
وقد جعل الله عزَّ وجلَّ لكل عمل من الأعمال المحبوبة له والمسخوطة أثراً وجزاء، ولذة وألماً يخصه ولا يشبه أثر الآخر وجزاءه.
ولهذا تنوعت لذات أهل الجنة، وآلام أهل النار، وتنوع ما فيهما من الطيبات والعقوبات.
فليست لذة من ضرب في كل مرضاة الله بسهم، وأخذ منها بنصيب كلذة من أنمى سهمه ونصيبه في نوع واحد منها: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا
¬_________
(¬1) حسن: أخرجه أبو داود برقم (1608)، صحيح سنن أبي داود رقم (1419).
وأخرجه النسائي برقم (2493)، صحيح سنن النسائي رقم (2337).

الصفحة 2944