كتاب موسوعة فقه القلوب (اسم الجزء: 1)

فكثير من الناس يصبرون على الشدة ويتماسكون لها.
وأما الرخاء فينسي ويلهي، ويهيء الفرصة للغرور بالنعمة، والاستنامة للشيطان، والإعراض عن الرحمن.
فنعمة المال كثيراً ما تقود إلى فتنة البطر، وقلة الشكر، مع السرف أو البخل، وكلاهما آفة للنفس والحياة.
ونعمة القوة كثيراً ما تقود إلى البطر، وقلة الشكر، مع الطغيان والجور، والتطاول بالقوة على الحق وعلى الناس، والتهجم على حرمات الله.
ونعمة الجمال كثيراً ما تقود إلى فتنة الخيلاء والتيه والغرور، والتردي في مدارك الإثم والغواية.
ونعمة الذكاء كثيراً ما تقود إلى فتنة الغرور والاستخفاف بالآخرين، وما تكاد تخلو نعمة من الفتنة إلا من ذكر الله فعصمه الله.
وكل ما رزقه الله لعباده فهو مقيد محدود محسوب، لما يعلمه الله من أن هؤلاء البشر لا يطيقون في الأرض أن يفتح عليهم فيض الله غير المحدود، ولما يحدثه من البغي في الأرض كما قال سبحانه: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)} [الشورى: 27].
أما فضل الله في الآخرة فهو مطلق بلا حساب ولا حدود، ولا قيود ولا جهود، يكرم الله به أهل طاعته كما قال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40)} [غافر: 40].
وكل ذرة .. وكل حشرة .. وكل طائر .. وكل حيوان .. وكل إنسان .. وكل أمة في البر أو في البحر .. كل مخلوق من هؤلاء سيصل إليه رزقه .. فما دام الأجل باقياً كان الرزق آتياً لا محالة.
فإن سد الله عليك بحكمته طريقاً، فتح لك برحمته طريقاً أنفع لك منه.
وتأمل حال الجنين في بطن أمه يأتيه غذاؤه وهو الدم من طريق واحدة وهو

الصفحة 993