كتاب العقد الثمين في شرح أحاديث أصول الدين

اتحادا كما فهمه من أزاغ الله قلوبهم عن أنوار الشريعة, أو فهم من ذلك أيضا تشبيها, فقد ضل فهمه, وزل قدمه عن الصراط المستقيم {َلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور: من الآية 63) والله ورسوله بريئان من أهل هذه الطرق الزائغة الزائفة, وأهل هذه البدع الضالة من كل طائفة, قالوا بالحلول والإتحاد, وهذا هو عين الكفر والإلحاد {إِنَّ رَبَّكَ لبِالْمِرْصَادِ} (الفجر:14) فسبحان من ليس كمثله شيء وهو البر الوصول, الذي تنزه قدرا عن التجسيم (1) والتعطيل والإتحاد والحلول.
وقوله في الجواب لجبريل في سؤاله عن الساعة: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل" يعني أن علم الخلق في وقتها سواء, ففيه إشارة إلى أن الله استأثر بعلمها, فكأنه قال: "أنا لا أدري كما أنك كذلك, فيؤخذ من الحديث أنه ينبغي للمفتي والعالم وغيرهما إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم, فإن ذلك لا ينقص بل يستدل به على ورعه وتقواه ووفور علمه.
ويروى عن علي رضي الله عنه أنه قال: "وا بردها على كبدي, إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول لا أعلم" (2) .
ويروى عن الإمام مالك أنه يسئل عن أكثر المسائل فلا يجيب ويقول: لا أدري نصف العلم (3) .
والساعة هي: يوم القيامة وتسمى اليوم الآخر.
__________
(1) لا يجوز إطلاق الجسم على الله من غير معرفة مراد المتكلم. انظر: مجموع الفتاوى (5/418) وما بعده.
(2) رواه الدارمي (1/629) والفقيه المتفقه (2/362) .
(3) رواه الدارمي (1/63) والفقيه المتفقه (2/369) والثر مروي عن الشعبي لا عن مالك والله أعلم.

الصفحة 57