كتاب العقد الثمين في شرح أحاديث أصول الدين

دين الإسلام والتفقه في التوحيد, وإظهار الدين كما ينبغي, حيث كان يعجز عنه في دار الشرك, ولا يتمكن من إظهاره, فهذا هو المهاجر إلى الله ورسوله حقا, وكفاه شرفا وفخرا أنه حصل له ما نواه, وذلك نهاية المطلوب دنيا وأخرى.
ومن كانت هجرته إلى دار الإسلام لطلب دنيا, أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه من ذلك. فالأول تاجر والثاني خاطب, وليس واحد منهما بمهاجر.
وفي قوله: "إلى ما هاجر إليه" تحقير لما طلب من أمر الدنيا واستهانة به, والهجرة لأمور الدنيا لا تنحصر.
وقد كانت الهجرة من مكة إلى المدينة واجبة بنص الكتاب والسنة, فلذا كان المهاجرون قبل فتح مكة يهاجرون منها إلى المدينة للنبي (صلى الله عليه وسلم وقد هاجر منهم رجال كثير ونساء قبل ذلك إلى أرض الحبشة إلى النجاشي. انتهى, هذا ملخص ما ذكره شراح هذا الحديث (1) .
وأقول: قد زعم قوم أن الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام والإيمان ليست واجبة ولا متعينة في هذا الزمان؛ وأن محكم عقدها مفسوخ, ووجوبها المستمر منسوخ, متمسكين من الدليل بما لا يبرد الغليل, ولا يشفي القلب العليل, وذلك ظاهر قول خير البرية: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية" (2) , وظاهر حديث "المهاجر من هجر ما نهى الله
__________
(1) من شراح الحديث: ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/59) , فتح الباري (1/9) وغيرهم.
(2) رواه البخاري ورقمه (3900) ومسلم ورقمه (1864) من حديث عائشة رضي الله عنها.

الصفحة 73