كتاب روضة المحبين ونزهة المشتاقين

عرقها الفكر في العواقب وساقها الصبر وأغصانها العلم وورقها حسن الخلق وثمرها الحكمة ومادتها توفيق من أزمة الأمور بيديه وابتداؤها منه وانتهاؤها إليه وإذا كان هذا وصفه فقبيح أن يدال عليه عدوه فيعزله عن مملكته ويحطه عن رتبته ويستنزله عن درجته فيصبح أسيرا بعد أن كان أميرا ومحكوما بعد أن كان حاكما وتابعا بعد أن كان متبوعا ومن صبر على حكمه أرنعه في رياض الأماني والمنى ومن خرج عن حكمه أورده حياض الهلاك والردى قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لقد سبق إلى جنات عدن أقوام ما كانوا بأكثر الناس صلاة ولا صياما ولا حجا ولا اعتمارا لكنهم عقلوا عن الله مواعظه فوجلت منه قلوبهم واطمأنت إليه نفوسهم وخشعت له جوارحهم ففاقوا الناس بطيب المنزلة وعلو الدرجة عند الناس في الدنيا وعند الله في الآخرة وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر ولكنه الذي يعرف خير الشرين وقالت عائشة رضي الله عنها قد أفلح من جعل الله له عقلا وقال ابن عباس رضي الله عنهما ولد لكسرى مولود فأحضر بعض المؤدبين ووضع الصبى بين يديه وقال ما خير ما أوتي هذا المولود قال عقل يولد معه قال فإن لم يكن قال فأدب حسن يعيش به في الناس قال فإن لم يكن قال فصاعقة تحرقه وقال بعض أهل العلم لما أهبط الله تبارك وتعالى آدم إلى الأرض أتاه جبريل عليه السلام بثلاثة أشياء الدين والخلق والعقل فقال إن الله يخيرك بين هذه الثلاثة فقال يا جبريل ما رأيت أحسن من هؤلاء

الصفحة 11