وإنْ كانَ يجري في بابِ الشّرط مجرى المضارِع في علم الإعرابِ فإن فيه نكتةً؛ كأنَّه قيل: ودُّوا قبلَ كلِّ شيء كفرَكُم وارتدادَكُم؛ يعني (¬1): أنهم يُريدونَ أن يلحِقوا بكم مضارَّ الدُّنيا والدِّين جميعًا؛ من قتلِ الأَنْفس، وتمزيق الأعراضِ، وردِّكم كفّارًا. وردُّكم كفّارًا أسبقُ المضارِّ عندهم، وأوَّلُها، لعلمهم: أن الدِّين أعزُّ عليكم من أرواحِكُم، لأنكم بذّالُون لها دونه. والعدوُّ أهمُّ (¬2) شيءٍ عنده أن يقصدَ أعزَّ شيءٍ عندَ صاحبه".
وقال في "الإيضاح": وفي كونِه من هذا البابِ "نظرٌ؛ لأن ودادَتَهم أن يرتدّوا كفّارًا حَاصِلةٌ وإن لم يظفروا بهم، فلا يكونُ في تقييدها بالشّرط فائدةٌ" (¬3).
و (إذا) له؛ أي: للاستقبالِ، مع الجزم والقطع بوقوع الشَّرط، ولو ادّعاء؛ أي: الجزم به إمَّا تحقيقًا؛ كما [إذا] (¬4) قلتَ: (إذا طَلعتِ الشّمسُ فإنّي أفعلُ كذا)، أو ادّعاءً؛ كما إذا قُلتَ: (إذا جاء محبِّي فإني أفعلُ كذا)، فإنَّ مجيءَ المحبِّ ليس قطعيًّا تحقيقيًا، بل ظنيًّا وادّعاءً؛ فإنَّ المحبّ لمن يهواه زوَّار. فيغلّب الماضي لفظًا لكونِ الماضى أقربُ إلى القطع من المستقبلِ -في الجملةِ- نظرًا إلى اللّفظِ.
¬__________
(¬1) هكذا -أيضًا- في الكشّاف. وفي أ، ب: "بمعنى".
(¬2) في ب: "أتم" وهو تحريف.
(¬3) ينظر: الايضاح: (2/ 124).
(¬4) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، ومثبت من أ، ب. وبه يستقيم السِّياق، كما هو الحال في القسم المقابل القادم.