كتاب تحقيق الفوائد الغياثية (اسم الجزء: 1)

تتراأي ناراهُما!، وكم [من] (¬1) صورةٍ لا تكادُ (¬2) تلوحُ في خيالٍ، وهي في غيره نارٌ على عَلَم!. فتتفاوتُ بالأممِ والطّوائفِ؛ كتعانقِ السَّطلِ والحمَّام في خيال الحمَّامِي، والْقَدُوم (¬3) والمنشار في خيال النَّجّار، ولو غيّرته إلى نحو السّطل والمنشار جاء الاستبداعُ والاستنكارُ.
فلا يَسْتَنكرُ قوله - تعالى -: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} الآية (¬4). إلَّا من يَجهل؛ هذا فاعلٌ لقوله: (لا يستنكرُ). أنّ الخطابَ مع العرب، وما في خيالهم؛ أي: والحال أَنَّه ليسَ في خيالهم إلَّا الإبلُ فإنّ العربَ وَأهل الوَبرِ (¬5) لَمّا كان مطعمهم ومشربهم وملبسهم من المواشي كافي عنايتُهم مصروفةً إلى أكثرها نفعًا؛ وهي الإبلُ؛ وإذا كان انتفاعُهم بها لا يتحصّل إلَّا بأن تَرعى وتشرب، فجلُّ مرمى غرضهم أرضٌ
¬__________
(¬1) ما بين المعقوفين مثبت من أ، ب. وناسب إثباتَه قولُه قبله: "فكم من صور".
(¬2) كلمة: "لا تكاد" ساقطةٌ من ب.
(¬3) القَدُوم: الآلة الّتي يُنْحَتُ بها. ينظر: اللِّسان: (قدم): (12/ 471).
(¬4) سورة الغاشية، الآية: 17. وظاهر أنّه لا يريد بقوله: "الآية" إتمام الآية -على نحو ما ألف ممن يستشهد ببعض الآية ويعقّب بـ "الآية" وإلَّا على تمامِها- لكون الآية تامّة. وإنّما أراد بقيّة الآيات الملائمة للاستشهاد بعدها وهي: {وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الآيات: 18، 19، 20].
(¬5) الوبر: صوت الإبل. و"أهل الوبر": كناية عن البدو؛ لأنّهم يتخذون بيوتهم من أوبار الابل. ينظر: اللِّسان: (وبر): (5/ 271).

الصفحة 528