كتاب تحقيق الفوائد الغياثية (اسم الجزء: 2)

النوعُ الثَّاني (*): في الإيجاز والإطناب؛
وهما نسبيّان؛
إذ لا يُعقلُ معناهما إلَّا بالإضافة [إلى غيره] (¬1) ولهذا يختلفان؛ فكمْ من وجيزٍ بالنِّسبةِ إلى شيءٍ؛ طويلٌ (¬2) بالنِّسبة إلى آخر!. فَلِنَنْسِبُهُما إلى متعارفِ الأوساطِ؛ أي: كلامهم في مجرى عرفهم في تأَديةِ المعنى. وإِنَّه؛ أي: متعارف الأَوساطِ. لا يُمدحُ منهم، ولا يُذمّ.
لَهُما؛ للإيجازِ والإطنابِ مراتبُ لا تُحصى من وجيزٍ، وأَوْجز، وأَوْجز، ومطنبٍ، وأَطْنبَ، وأطنبَ.
وإذا صادفا المقامَ حَسَّنا الكلامَ وصيَّراه محمودًا ممدوحًا، وإلّا؛ أي: وإن لم يصادفا [المقام] (¬3) صارَ الإيجازُ عيًّا (¬4) مَذْمومًا وتَقْصيرًا، والإطنابُ إِكْثَارًا مَلُومًا وتَطويلًا.
¬__________
(*) من الفنّ الرّابع، من القانون الأَوَّل.
(¬1) ما بين المعقوفين ساقطٌ من الأَصل. ومثبت من: أ، ب.
(¬2) في قول الشّارح: "طويل" تسامح في اللّفظ؛ وكان الأولى به أن يقول: "مطنب".
(¬3) ما بين المعقوفين ساقطٌ من الأصل. ومثبت من: أ، ب.
(¬4) العِيُّ: خلاف البيان؛ وعَيَسى في منطقه إذا حَصِرَ. ينظر: اللِّسان: (عيي): (15/ 112 - 113).
فعلى هذا: الإيجازُ هو: أداءُ المقصودِ بأقلِّ من عباراتِ متعارفِ الأوساطِ، والإطنابُ أداؤه بأكثرَ من عباراتِه.
فالإيجازُ؛ أي: مثالُ الإيجاز؛ كقوله تعالى: {فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} (¬1) كان أوجزُ كلامٍ عندهم [أي: العرب] (¬2) في هذا المعنى قولهم (¬3): (القتلُ أَنفَى للقَتْلِ). وهذا؛ أي: قوله - تعالى -. أَوْجزُ منه؛ أي: مِمّا عندهم وأفضلُ لوجوهٍ عشرةٍ:
الأوّلُ: لقلّةِ حروفه بالنِّسبةِ إلى ما يناظرُه، لأنَّ حروفَه عشرةٌ (¬4)، وحروفَ مناظره أربعة عشر.
الثَّاني: لأنَّ (¬5) حصولَ الحياةِ -وهو الْمَقْصُود (¬6) الأصليّ- مَنصوصٌ عليه.
الثّالثُ: لاطِّرادِ قولهِ دُون قولهم، فإنَّ القتلَ الَّذي يُنْفي به القتلُ هو
¬__________
(¬1) سورة البقرة؛ من الآية: 179. وفي أ: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}؛ بإيراد لفظة: {وَلَكُمْ} ضمن الشّاهد، وموضع الاستشهاد لا يتطلّبها.
(¬2) ما بين المعقوفين ساقط من الأَصل، وأُثْبتت كلمةُ "العرب" من أ، ب. وكلمة: "أي" من المحقّق؛ لاحتياج السِّياق إليها. ودرج الشَّارح على مثلها.
(¬3) الصّناعتين: (195)، المثل السَّائر: (2/ 339)، المفتاح: (277).
(¬4) أي: الحروف الملفوظة؛ إذ الإيجاز يتعلّق باللَّفظ لا بالرَّسم؛ فلا يتَّجه قول من قال: إنّها ثلاثة عشر.
(¬5) هكذا في الأَصل، ب: وهو الأَوْلَى؛ لبنائه على التَّعليل؛ كبقيّة الوجوه. وفي أ: "إن".
(¬6) في أ: "وهو المطلوب"؛ وهما بمعنى.

الصفحة 544