كتاب تحقيق الفوائد الغياثية (اسم الجزء: 2)

للمُهتدي (¬1)؛ لكن لا بهدايةٍ قَبْل هذه؛ بل المُهْتدي بهذه الهدايةِ، كما قيلَ في علمِ الكلامِ على سبيل المغلطةِ (¬2) لا يمكنُ أَنْ يُوجِدَ موجود؛ لأنَّ الموجدَ إمّا أن يوجده حال الوجودِ، وإيجادُ الموجودِ محالٌ، وإمّا حال العدمِ، فيلزمُ اجتماع النَّقيضين؟.
وأُجيبَ: بأنَّ المحال: إيجادُ ما هو موجودٌ بوجودٍ قبل؛ لا بهذا الوجودِ ولا يلزمُ محالُ.
وفيه؛ أي: في قوله - تعالى -: {هُدًى لِلْمُتَّقَينَ} نوعان آخران من الحُسن (¬3): تسميةُ الشَّيءِ باسم ما يَؤُول إليه مجازًا؛ أي: على
¬__________
(¬1) فيكون من باب طلب الزِّيادة إلى ما هو فيه واستدامته، وهذا المعنى وسابقه ذكرهما الزّمخشريّ في كشّافه: (1/ 77).
على أنّني لا أرى موجبًا يحتّم التَّأويل في الآية؛ فقد أطلق الهدي في القرآن الكريم على معنى الإرشاد وإيضاح سبيل الخير، ومن ذلك قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [سورة فصّلت: من الآية: 17]، أي: أرشدناهم، وعليه فما المانع أن يكون الكتاب مرشدًا للنَّاس أجمعين؛ من اتَّقى منهم ومن حقت عليه الضّلالة؟!. والله أعلم.
(¬2) في أ: "المغلط".
(¬3) في قول الشّارح -رحمه الله-: "نوعان آخران من الحسن" إيحاء بتقدّم نوعين بخلاف ما ذكر. وليس ثمّة نوع آخر. فما تقدّم في تفسير الآية إمّا صائر إلى قول المصنّف: تسمية الشّيء باسم ما يؤول إليه مجازًا، كما سيأتي في أوَّل النَّوعين اللَّذين صرّح بهما. وإمّا مناقض له لا يجتمع معه. ويبدو لي أن الإلباسَ ناشئٌ من كلمة: "آخران" ولو أسقطت لاسْتقام السِّياق.

الصفحة 546