كتاب تحقيق الفوائد الغياثية (اسم الجزء: 2)

و (مَنْ) لِذَوي العلم؛ أي: للسُّؤالِ عن الجنسِ من ذويه؛ نحو قولِ الله -تعالى- حكايةً عن فرعون: {فَمَن ربكمَا} (¬1)، أملكٌ هُو، أم جنّيٌّ، أم بشرٌ. منكِرًا لأَن (¬2) يكون بها ربٌّ سِواه، لادِّعائه الربوبيّةَ لنفسِه؛ فقال في الجوابِ: {ربُّنا الذي أَعطَى كُل شَيْءٍ خَلْقَهُ}، أي: صورَته وشَكْلَه الذي يُطابق كماله، {ثُمَّ هدَى} (¬3)؛ كأنه قال: لنا ربٌّ سِواك، وهُو الذي إذا سلكتَ طريقَ العقلِ لزمك الاعترافُ بكونه ربًّا، وأن لا ربَّ سواه؛ وهو معنى قوله؛ لَأنه يُوجبُ للعاقلِ الاعترافَ.
و (أيّ) لما يُميِّزُ أحدَ المتشاركَينِ في أمرٍ عام لهما عن الآخر، سواء كان ذلك ذاتيًّا أو عرضيًّا، كقوله -تعالى- حكايةً عن سليمانَ: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} (¬4) أيُّها الحاضرون في مجلسي المنقادون لأمري أيّكم؛ أي:
¬__________
= 2 - أن (ما) ها هنا سؤالٌ عن الحقيقة المختصّة بربِّ العالمين، فلمَّا أجاب موسى - عليه السَّلام- بالوصف لإتمام الحقيقة تَفَيْهقَ بما تفيهق. ذكره صاحبُ الكشَّاف ينظر: (3/ 313).
3 - أن الاستفهام -ها هنا- ليس مخرجًا على ظاهره ليكون سؤالًا عن الجِنْس أَوْ الوَصف أو الحَقيقة. بل الإنكار أنْ يكون ربّ العالمين سواه لادّعائه الإلهية.
ذكره صاحب الكشّاف أيضًا. ومال إليه. ينظر: (3/ 313).
(¬1) سورة طه، من الآية: 49.
(¬2) في أ: "بأن".
(¬3) سورة طه؛ من الآية: 50.
(¬4) سورة النَّمل؛ من الآية: 38.

الصفحة 586