كتاب تحقيق الفوائد الغياثية (اسم الجزء: 2)

المأمورِ؛ كالعبدِ إذا أَتى فعلَ المأمورِ به فيما إذا قال له سيِّدُه (¬1): (اسْقني ماءً)؛ فإنَّه يَسْتحسن العرفُ سقيَه على الفَوْرِ، ولوْ لَمْ يكن ظاهرًا للفورِ لما كان كذلك. ويذمُّ العرفُ بعدمها؛ أي: بعدمِ المبادرةِ إليه، ولهذا لو أَخَّرَ العبدُ السَّقي عُدَّ عاصيًا، ولولا أَنَّه للفورِ لَما عُدَّ.
ويَسْتَهجنُ النَّهيَ قبل الفعل؛ كـ (لا تَسْقني) بعد (اسقني) قبلَ السّقي؛ فإن العرفَ يَسْتهجنه؛ وذلك لتَبادر الفهم إلى التَّنافي بين الحكمين، ولولا أنَّه للفور لا فُهم التَّنافي. ويُعَدُّ؛ أي: وَيَعُدُّ العرفُ النَّهي قبل الفعلِ إبطالًا، للأمر، ولولا أنّه للفورِ لما كان كذلك؛ لجوازِ الإِتيانِ به فيما بعدُ.
قال في المفتاح (¬2): "الأمرُ والنَّهيُ حقُّهما الفور. والتَّراخي مَوْقُوفٌ على قرائن الأحوال"، ومغايرتُه لِمَا في المختصر ظاهرةٌ (¬3).
ثُمَّ اعلم: أنَّ التَّعلّق بالاستحسان والاستهجانِ ممّا زادَ على المفتاح.
وهُمَا؛ أي: الأَمرُ والنَّهي، للمَرَّةِ أو للاسْتِمرار (¬4)؛ اختلفَ فيه
¬__________
(¬1) هكذا جاءت العبارة في الأصل. وفي أ، ب: "كالعبد مثلًا إلى فعل المأمور به كما إذا قال لعبده".
(¬2) ص: (320).
(¬3) لكونه جعل الفوريَّة أصل ثابت للأَمر والنَّهي، وقرائن الأحوال صارفة عن الأصل إلى التَّراخي. بخلاف ما في المختصر فإنه جعل قرائن الأحوال أصل في الدّلالة على الفور أو التَّراخي وما لم تعلم فالظّاهر أنّها للفور -كما هو نصّ كلامه المتقدّم-.
(¬4) في الأصل: "وللاستمرار" بالعطف بالواو. والصّواب من: أ، ب، ف.

الصفحة 602