كتاب تحقيق الفوائد الغياثية (اسم الجزء: 2)

بهذه النُّكتةِ.
الثَّاني: إظهارُ الحرصِ على وُقوعه؛ كأنّه لكثرةِ ما ناجى بهِ نفسَه (¬1) انتقشَ صورتُه؛ لأنَّ الطَّالبَ متى تبالغَ حرصُه فيما يطلُبُ ربَّما انتقشتْ في الخيال صورته - لكثرةِ ما ناجى (¬2) به نفسَه - فخاله واقعًا؛ فتخيَّلَ إليه غيرُ الحاصلِ حاصلًا.
الثّالثُ: الكنايةُ. لحُسْنها؛ أي: لحُسْنٍ فيها ليس في التَّصريحِ؛ كقول العبْد للمولى إذا حوَّلَ عنه الوجه: (ينظر المولى إليَّ ساعة). أمَّا كونه كنايةٌ؛ فلأَنّ (ينظر) مُستلزمٌ لقوله: أَطلبُ أن ينظر المولى إليَّ ساعةً.
أو للتَّأدبِ لاحْتِرازِه عن صُورةِ الأمرِ فيه.
أو لهما؛ أي: للحسنِ والتَّأدُّب معًا.
الرّابعُ: حملُ المخاطبِ على الْمَذْكور أَبْلغ حملٍ، بأَلطف وجهٍ؛ نحو: (تأتيني غدًا) إذا صَدَر. مِمَّن تَكْره أَنْت أن يُنْسبَ ذلك الصَّادر عنه إلى الكَذبِ؛ فإِنَّه إذا قال لك ذلك وأَنْت تكره نسبته إلى الكذبِ - لزمك إتيانه غَدًا وإِلَّا صار مَنْسوبًا إليه؛ بخلافِ ما لو قال: (ائتني غدًا) فإنّه لا يَلْزمُك ما لَزِمك في صورةِ الخبر.
أو غيرِ ذلك المذكورِ من الوجوه الأربع حسب المقامات والمناسبات.
¬__________
(¬1) هكذا -أيضًا- في ف. وفي أ: "ما يناجي نفسه".
(¬2) في أ: "يناجي".

الصفحة 611