كتاب منهاج المسلم

فضلًا عنْ خلقِ جسمٍ تامٍّ أوْ حيٍّ منَ الأجسامِ، أوْ جرمٍ كبيرٍ، أوْ صغير منَ الأجرامِ.
أمَّا اللّهُ تباركَ وتعالَى فقَد قالَ مقررًا الخالقيةَ المطلقةَ لهُ دونَ سواهُ: {أَلَا لَه اَلخلقُ والأمر تبارَكَ اَللهُ رَبُ اَلعالمينَ} [الأعرافُ: 54] . وَقَالَ: (وَالله خلقكم وَمَا تعمَلُونَ] [الصافاتُ: 96] . وأثني علَى نفسهِ بخالقيَّتهِ فقالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1] . وَقَالَ: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) } [الروم: 27] . أفليستْ إذًا خالقيَّتهُ سبحانهُ وتعالَى لكل شيء هيَ دليلُ وجودهِ وربوبيَّتهِ؟ بلَى! وإَّنا يَا ربَّنَا علَى ذلكَ منَ الشَّاهدينَ..
2 - تفردهُ تعالَى بالرزقِ؛ إذْ ما منْ حيوانٍ سارح فيِ الغبراءِ (¬1) أوْ سابحٍ فيِ الماءِ، أوْ مستكن (¬2) فيِ الأحشاءِ، إلاَّ واللّهُ تعالَى خالقُ رزقهِ وْهاديهِ إلَى معرفةِ الحصولِ عليهِ وكيفيَّةِ تناولهِ والانتفاعِ بهِ.
فمنَ النَّملةِ كأصغرِ حيوان، إلَي الإنسانِ الَّذِي هوَ أكملُ وأرقَى أنواعهِ، الكلُ مفتقرٌ إلَى اللّهِ فيِ وجودهِ وتكوينهِ، وفيِ غذائهِ ورزقهِ، واللّهُ وحدهُ موجدهُ ومكوِّنهُ ومغذيهِ ورازقهُ، وها هيَ ذِي آياتُ كتابهِ تقررُ هذهِ الحقيقةَ وتثبتهَا ناصعةً كمَا هيَ. قالَ تَعَالَى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (¬3) (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (¬4) (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (¬5) (31) } [عبس: 24 - 31] .
وقالَ تعالَى: {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا (¬6) مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (¬7) (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54) } [طه: 53 - 54] . وقالَ لَا إلهَ إلاَّ هوَ ولَا ربَّ سواهُ: {فَأَنزَلنا مِنَ السماء مَاءً فَأسقَيناكموهُ وَمَا أنتم له بخازنين} [الحجْرُ: 22] . وقالَ لَا رازقِ إلاَّ هوَ سبحانهُ: {وَما مِن دابة في الأرض إلا عَلَى اَللهِ رِزقُهَا وَيَعلَم مُستقَرها وَمُسْتودَعَهَا} [هودُ: 6] .
وإذَا تقرر بلَا منازع أنَّهُ لَا رازقَ إلاَّ اللّهُ كانَ ذلكَ دليلًا علَى ربوبيَّتهِ سبحانهُ وتعالَى لخلقهِ.
3 - شهادةُ الفطرةِ البشريَّةِ السَّليمةِ بربوبيَّتهِ تعالى، وإقرارهَا الصَّارخُ بذلكَ، فإنَّ كلَّ إنسان لم تفسدْ فطرتهُ يشعر في قرارةِ نفسهِ بأنَّهُ ضعيف وعاجزٌ أمامَ ذِي سلطانٍ غني وقوي، وأنه خاضعٌ لتصرُفاتهِ فيهِ، وتدبيرهِ لهُ بحيثُ يصرخُ فيِ غيرِ تردُّد: أنَّهُ اللّهُ ربُّهُ وربُّ كل شيءٍ.
¬__________
(¬1) الغبراءُ: الأرضُ.
(¬2) مستكن: مستتر.
(¬3) قضبًا: علفًا رطبًا للدواب.
(¬4) غلبًا: عظامًا متكاثفةَ الأشجارِ.
(¬5) الأبُّ: الكلأُ والعشبُ.
(¬6) أزواجًا: أصنافاً.
(¬7) شتى: مختلف.

الصفحة 12