كتاب منهاج المسلم
وإنْ كانتْ هذهِ الحقيقة مسلَّمَة لَا ينكرهَا أوْ يمارِي فيهَا كل ذِي فطرة سليمةٍ، فإنَّهُ يذكر هنَا زيادةً فِي التَّقريرِ مَا كانَ القرآن الكريم ينتزعه من اعترافاتِ أكابرِ الوثنيينَ بهذهِ الحقيقةِ الَّتي هيَ ربوبيَّةُ اللّهِ تعالَى للخلقِ ولكل شيءٍ. قال الله تعالَى: {وَلَئن سَألتهُم مَّن خلقَ اَلسَّمواتِ وَاَلأَرْضَ ليقولُنَ خلقَهُنَّ العَريزُ اَلعَلِيم} [الزخرفُ: 9] . وقال جلَّ جلالة: {ولئن سَاَلتَهُم منْ خلق اَلسمواتِ وَاَلأرضَ وَسَخرَ اَلشمسَ وَاَلقَمَرَ لَيَقُولُن اَلله} [العنكبوتُ: 61] . وقالَ عز وجل {قُل من رَّبُّ اَلسَّمَواَتِ اَلسبعِ وَرَبُّ اَلْعرْشِ اَلعَظِيم (86) سَيَقُولُونَ للِّه} ِ [المؤمنونَ] .
4 - تفرّدة تعالَى بالملكِ لكلِّ شيءٍ، وتصرفة المطلق في كلَ شيءٍ، وتدبيرهُ لكلِّ شيء دال على ربوبيتهِ؛ إذْ منَ المسلَّمِ بهِ لدَى كافةِ البشرِ أنَّ الإنسَانَ كغيرهِ منَ الكائناتِ الحيةِ فيِ هذَا الوجودِ لَا يملك علَى الحقيقةِ شيئًا، بدليلِ أَنهُ يخرج أوَّلَ مَا يخرجُ إلَى هذَا الوجودِ عاريَ الجسمِ حاسرَ الرَّأسِ، حافيَ القدمينِ، ويخرج عندمَا يخرجُ منة مفارقًا له ليسَ معه شيءٌ سوى كفنٍ يوارَى بهِ جسدُه. فكيفَ إذا يصحُّ أنْ يقالَ: إن الإنسانِ مالكٌ لشيء علَى الحقيقةِ في هذا الوجودِ؟.
وإذَا بطلَ أنْ يكونَ الإنسانُ -وهوَ أشرفُ هذهِ الكائناتِ- مالكًا لشيء منهَا، فمنِ المالكُ إذنْ؟ المالكُ هوَ الله واللّهُ وحدة، وبدونِ جدلٍ، ولَا شك ولَا ريب، ومَا قيلَ وسلِّمَ فيِ الملكيَّةِ يقالُ ويُسلَّم كذلكَ في التَّصرفِ والتَّدبيرِ لكلِّ شأن مِن شؤونِ هذهِ الحياةِ، ولعمرُ اللّهِ إذًا لهيَ صفاتُ الربوييةِ: الخلَقُ.. الرزق.. الملك.. التَّصرُّف.. التَّدبير، وقديمًا قدْ سلَّمهَا أكابر الوَّثنيينَ منْ عبدة الأصنامِ، سجّلَ ذلكَ القرآنُ الكريمُ في غيرِ سورةٍ منْ سورهِ. قالَ تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: 31 - 32] .
الفصلُ الثَّالث: الإيمانُ بإلهيَّةِ اللَّهِ تعالَى للأوَّلينَ والآخرينَ
يؤمنُ المسلمُ بألوهيَّةِ اللهِ تعالَى لجميعِ الأوَّلينَ والآخرينَ، وأنَّهُ لَا إلهَ غيرهُ، ولَا معبودَ بحق سواهُ، وذلكَ للأدلَّةِ النَّقليَّةِ وَالعقليَّةِ التَّاليةِ، ولهدايةِ اللّهِ تعالَى له قبلَ كلِّ شيءٍ؛ إذْ منْ يهدِ اللّهُ فهوَ المهتدِي، ومنْ يضللْ فلَا هاديَ لهُ.
الصفحة 13