كتاب منهاج المسلم

منْ يسألني فأعطيهُ؟. منْ يستغفرنِي فأغفرَ لهُ" (¬1) . وقولهِ: "للَّهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدهِ منْ أحدِكمْ براحلتِه" (¬2) . الحديثُ، وقولهِ للجاريةِ: "أينَ اللَّهُ"؟. فقالتْ فيِ السَّماءِ، قالَ: "أنَا منْ؟ " قالتْ: أنتَ رسولُ اللَّهِ، قالَ: "أعتقهَا فإنَّها مؤمنةٌ". وقولهِ: "يقبضُ اللَّهُ الأرضَ يومَ القيامةِ ويطوِي السَّماءَ بيمينهِ، ثمَّ يقولُ: أنَا الملكُ، أينَ ملوكُ الأرضِ؟ " (¬3) .
3 - إقرارُ السلفِ الصَّالحِ منَ الصَّحابةِ والتابعينَ والأئمَّةِ الأربعةِ -رضي الله عنهم أجمعين- بصفاتِ اللّهِ تعالى، وعدمُ تأويلهم لهَا، أوْ ردهَا أوْ إخراجهَا عنْ ظاهرهَا، فلم يثبتَ أنَّ صحابيًّا واحدًا تأوَّلَ صفة منْ صفاتِ اللّهِ تعالَى، أوْ ردَّهَا، أوْ قالَ فيهَا أنَّ ظاهرهَا غيرُ مرادٍ، بلْ كانُوا يؤمنونَ بمدلولهَا، ويحملونهَا علَى ظاهرهَا، وهم يعلمونَ أنَّ صفاتِ اللّهِ تعالَى ليستْ كصفاتِ المحدثينَ منْ خلقهِ، وقدْ سئلَ الإمامُ مالكٌ رحمهُ اللّهُ تعالَى عنْ قولهِ عز وجل {اَلرحمَن عَلَى العَرشِ اَسْتَوَى} [طهَ: 5] . فقال: الاستواءُ معلومٌ، والكيفُ مجهولٌ، والسُّؤالَ عنهُ بدعةٌ.
وكانَ الإمامُ الشَّافعي رحمهُ اللّهُ تعالَى يقولُ: آمنتُ باللّهِ وبمَا جاءَ عنِ اللّهِ، علَى مرادِ اللّهِ، وآمنتُ برسولِ اللّهِ، وبمَا جاءَ عنْ رسولِ اللّهِ علَى مرادِ رسولِ اللّهِ. وكانَ الإمامُ أحمدُ رحمهُ اللّهُ تعالَى يقولُ فيِ مثلِ قولِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ اللّهَ ينزلُ إلَى السماءِ الدنيَا.. وإنَ اللّهَ يُرَى يومَ القيامةِ.. وإنَّهُ تعالَى يعجبُ، ويضحكُ ويغضبُ، ويرضَى ويكرهُ ويحبُّ.. كانَ يقولُ: نؤمنُ بهَا، ونصدِّقُ بهَا، لَا بكيفٍ ولَا معنىً، يعني أنَّنَا نؤمنُ بأنَّ اللّهَ تعالَى ينزلُ ويرَى، وهوَ فوقَ عرشهِ بائنٌ منْ خلقهِ، ولكنْ لَا نعلمُ كيفيةَ النُزولِ، ولَا الرؤيةِ، ولَا الاستواءِ، ولَا المعنَى الحقيقِي لذلكَ. بلْ نفوضُ الأمرَ فيِ علم ذلكَ إلَى اللّهِ قائلهِ وموحيهِ إلَى نبيهِ - صلى الله عليه وسلم -، ولَا نرد علَى رسولِ اللّهِ، ولَا نصف اللّهَ تعالَى بأَكثرَ ممَّا وصفَ بهِ نفسهُ، ووصفهُ بهِ رسولهُ، بلَا حد ولَا غايةٍ، ونحنُ نعلمُ أنَّ اللّهَ ليسَ كمثلهِ شيء وهوَ السَّميعُ البصيرُ.

الأدلةُ العقليةُ:
1- لقدْ وصفَ اللّهُ تعالَى نفسهُ بصفاتٍ، وسمّى نفسهُ بأسماءَ ولم ينهنَا عنْ وصفهِ وتسميتهِ بهَا، ولم يأمرنَا بتأويلهَا، أوْ حملهَا علَى غيرِ ظاهرهَا، فهلْ يعقلُ أنْ يقالَ إننَا إذَا وصفناهُ يهَا نكونُ قدْ شبَّهناهُ بخلقهِ فيلزمنَا إذا تأويلهَا، وحملهَا علَى غيرِ ظاهرهَا؟ وإنْ أصبحنَا
¬__________
(¬1) رواه البخاري (2/ 66) ، ورواه مسلم (1/ 521) كتاب صلاة المسافرين وقصرها.
(¬2) رواه مسلم (4/ 2102) كتاب التوبة.
(¬3) رواه البخاري (6 / 158) و (8/ 135) .

الصفحة 16