كتاب منهاج المسلم

معطِّلينَ نفاةً لصفاتهِ تعالَى، ملحدينَ في أسمائهِ!! وهوَ يتوعّدُ الملحدينَ فيهَا بقولهِ: {وَذروُا اَلذِينَ يلحِدُون فَي أَسمائه سَيُجزونَ مَاَ كاَنوا يعمَلُونَ} [الأعرافُ: 180] .
2 - أليسَ منْ نفَى صفةً منْ صفاتِ اللّهِ تعالَى خوفاً منْ التَّشبيهِ كانَ قدْ شبّههَا أولاً بصفاتِ المحدثينَ، ثمَ خافَ منَ التَّشبيهِ ففرَّ منهُ إلَى النّفْي والتّعطيلِ، فنفَى صفاتِ اللّهِ تعالى الّتي أثبتهَا لنفسهِ وعطّلهَا، فكانَ بذلكَ قدْ جمعَ بينَ كبيرتينِ: التَّشبيهُ والتَّعطيلُ؟.
أفلَا يكونُ منَ المعقولِ إذًا -والحالة هذهِ- أنْ يوصفَ البارِي تعالَى بمَا وصفَ بهِ نفسهُ ووصفهُ بهِ رسولهُ معَ اعتقادِ أنَّ صفاتِ تعالَى لَا تشبهُ صفاتِ المحدثينَ، كما أنّ ذاتهُ عز وجل لَا تشبهُ ذواتِ المخلوقينَ؟.
3 - إنّ الإيمانَ بصفاتِ اللّهِ تعالى ووصفهِ بهَا، لَا يستلزمُ التَّشبيهَ بصفاتِ المحدثينَ؛ إِذ العقلُ لَا يحيلُ أنُ تكونَ للّهِ صفاتٌ خاصَّةٌ بذاتهِ لَا تشبهُ صفاتِ المخلوقينَ، ولَا تلتقِي معهَا إلاَّ فيِ مجرَّدِ الاسمِ فقطْ، فيكونُ للخالقِ صفاتٌ تخصُّهُ، وللمخلوقِ صفاتٌ تخصُّهُ.
والمسلمُ إذْ يؤمنُ بصفاتِ اللّهِ تعالَى، ويصفهُ بهَا لَا يعتقدُ أبدًا، ولَا حتَّى يخطرُ ببالهِ أنْ يدَ اللّهِ تباركَ وتعالَى مثلاً تشبهُ يدَ المخلوقِ في أي معنَى منْ المعاني غيرَ مجرد التَّسميةِ؛ وذلكَ لمباينةِ الخالقِ للمخلوقِ فيِ ذاتهِ وصفاتهِ وأَفعالهِ، قالَ تعالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) } (¬1) [الإخلاص: 1 - 4] وقالَ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] .

الفصلُ الخامسُ: الإيمانُ بالملائكةِ عليهمُ السَّلامُ
يؤمنُ المسلمُ بملائكةِ اللّهِ تعالَى، وأنَّهم خلقٌ منْ أشرفِ خلقهِ، وعبادٌ مكرمونَ منْ عبادهِ، خلقهم منْ نورٍ، كمَا خلقَ الإنسانَ منْ صلصالٍ كالفخَّارِ، وخلَق الجانّ منْ مارجٍ (¬2) منْ نارٍ.
وأنَّهُ تعالَى وكّلهم بوظائفَ فهُم بهَا قائمونَ، فمنهمُ الحفظةُ علَى العبادِ، والكاتبونَ لأعمالهم، ومنهم الموكَّلونَ بالجنَّةِ ونعيمهَا، ومنهم الموكّلونَ بالنَّارِ وعذابهَا، ومنهم المسبحونَ اللّيلَ والنَّهارَ لَا يفترونَ.
وأنهُ تعالَى فاضلَ (¬3) بينهم، فمنهمُ الملائكةُ المقرَبونَ، كجبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ، ومنهم دونَ ذلكَ. وذلكَ لهدايةِ اللّهِ تعالَى لهُ أولاً ثمَّ للأدلَّةِ النَّقليةِ والعقليَّةِ الآتيةِ:
¬__________
(¬1) الكفؤُ: المثيلُ.
(¬2) المارجُ: لهبٌ صافٍ لَا دخانَ فيه.
(¬3) فضَّلَ بعضهم علَى بعض.

الصفحة 17