كتاب منهاج المسلم
وفي قولهِ - صلى الله عليه وسلم - "لَا حسدَ إلاَّ في اثنتينِ: رجلٌ آتاهُ اللّهُ القرآنَ فهوَ يتلوهُ آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ، ورجلٌ آتاهُ اللّهُ مالًا فهوَ ينفقهُ آناءَ الليلِ وَآناءَ النهارِ" (¬1) . وفيِ قولهِ: "تركتُ فيكم مَا إنْ تمسكتم بهِ لنْ تضلُّوا بعدِي: كتابَ اللّهِ وسنَّةَ رسولهِ" (¬2) . وقولهِ - صلى الله عليه وسلم - "لَا تصدقُوا أهلَ الكتابِ ولا تكذِّبوهُم، وقولُوا آمنَّا بالذيِ أنزلَ إلينَا ومَا أنزلَ إليكم، وإلهنَا وإلهكُم واحدٌ ونحنُ لهُ مسلمُون" (¬3) .
4 - إيمانُ الملاييِن منَ العلماءِ والحكماءِ وأهلِ الإيمانِ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ واعتقادهمُ الجازمُ بأنَّ اللّهَ تعالَى قدْ أنزلَ كتبًا أوحاهَا إلَى رسلهِ، وخيرةِ النّاسِ منْ خلقهِ، وضمَّنها ما أرادَ منْ صفاتهِ وأخبارِ غيبهِ، وبيانِ شرائعهِ ودينهِ ووعدهِ ووعيدهِ.
الأدلةُ العقليةُ:
1- ضعفُ الإنسانِ واحتياجهُ إلَى ربِّهِ في إصلاحِ جسمهِ وروحهِ يقتضِي إنزالَ كتبٍ تتضمنُ التَّشريعاتِ والقوانينَ المحقِّقةَ للإنسانِ كَمالاتهِ، ومَا تتطلَّبهُ حياتاهُ الأولَى والأخرَى.
2 - لماَّ كانَ الرسلُ هم الواسطةُ بينَ اللّهِ تعالَى الخالقِ وبينَ عبادهِ المخلوقينَ، وكانَ الرسلُ كغيرهم منَ البشرِ يعيشونَ زمنًا ثمَّ يموتونَ، فلو لم تكنْ رسالاتهم قدْ تضمَّنتهَا كتبٌ خاصّةٌ لكانتْ تضيعُ بموتهم، ويبقَى النَّاسُ بعدهم بلَا رسالةٍ ولَا واسطة، فيضيع الغرضُ الأصليّ منَ الوحْي والرسالةِ، فكانتْ هذهِ حالاً تقتضِي إنزالَ الكتبِ الإلهيَّةِ بلَا شك ولَا ريب.
3 - إذَا لم يكنِ الرسولُ الدَّاعِي إلَى اللّهِ تعالَى يحملُ كتابًا منْ عندِ ربِّهِ فيهِ التّشريعُ والهدايةُ والخيرُ؛ سَهُلَ علَى النَّاسِ تكذيبهُ وإنكارُ رسالتهِ، فكانتْ هذهِ حالًا تقضِي بإنزالِ الكتبِ الإلهيَّةَ، لإقامةِ الحجَّةِ علَى النَّاسِ.
الفصلُ السَّابعُ: الإيمانُ بالقُرآنِ الكريمِ
يؤمنُ المسلمُ بأن القرآنَ الكريمَ، كتابُ اللّهِ أنزلهُ علَى خيرِ خلقهِ، وأفضلِ أنبيائهِ ورسلهِ نبينَا محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - كمَا أنزلَ غيرهُ منَ الكتبِ علَى مَنْ سبقَ منَ الرسلِ. وأنَّهُ نسخَ بأحكامهِ سائرَ الأحكامِ في الكتبِ السماويَّةِ السابقةِ، كمَا ختمَ برسالةِ صاحبهِ كلَّ رسالةٍ سالفةٍ. وأنَّهُ الكتابُ الشَّاملُ لأعظمِ تشريعٍ ربَّاني، تكفَّلَ منزلهُ لمنْ أخذَ بهِ أنْ يسعدَ في الحياتيِن، وتوعّدَ منْ أعرضَ عنهُ فلم يأخذْ بهِ بالشّقاوةِ فيِ الدّارينِ (¬4) ، وأنَّهُ الكتابُ الوحيدُ الَّذِي ضمنَ اللّهُ سَلامتهُ
¬__________
(¬1) رواه البخاري (9/ 189) .
(¬2) رواه الحاكم في المستدرك (1/ 93) وهو صحيح ورواه مالك بلاغًا.
(¬3) رواه البخاري (3/ 237) .
(¬4) أخذًا من قولهِ تعالَى: (فَمَنِ اَتبع هدَايَ فَلَا يَضل..) الآيةُ.
الصفحة 21