كتاب منهاج المسلم

باعترافاتهمُ الصّريحةِ، ولكنَّ الحسدَ هوَ الَّذِي حرمهمُ الإيماَن بهِ واتَّباعهُ - صلى الله عليه وسلم - قالَ تعالَى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) } [البقرة: 89] .
كَمَا جَاءَ فيِ الْإنْجِيلِ الْبِشَارَاتُ التَّالِيَةُ:
1- في تلكَ الأَيَّامِ جاءَ يوحنَّا المعمدانِ يكرزُ (¬1) في بريَّةِ اليهودِ قائلًا: "توبُوا لأنَّهُ قدْ اقتربَ ملكوتُ الَسمواتِ"، فقولهُ: قدْ اقتربَ ملكوتُ السمواتِ إشارةٌ إلَى محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - كمَا هوَ بشارةٌ بقربِ بعثتهِ إذْ هوَ الذِي ملكَ وحكمَ بقانونِ السَّماءِ.
2 - قدَّمَ لهم مثلًا آخرَ قائلًا: "يشبهُ ملكوتُ السمواتِ حبَّةَ خردل أخذهَا إنسانٌ وزرعهَا في حقلهِ، وهيَ أصغرُ جميعِ البذورِ، ولكنْ متَى نمتْ فهيَ أكبرُ البقولِ"، فهذهِ العبارةُ في الَإنجيلِ هيَ عينُ ما ذكرهُ تعالَى فيِ القرآنِ الكريمِ، إذْ قالَ تعالَى: (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: 29] . المرادُ منْ ذلكَ: محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابهُ.
3 - "أنطلقُ لأنِّي إنْ لم أنطلقْ لم يأتكم (البارقليطُ) (¬2) ، فأمَّا إنْ انطلقتُ أرسلتهُ إليكم، فإذَا جاءَ ذاكَ يوبِّخُ العالمَ علَى خطيئتهِ". أليستْ هذهِ الجملةُ منَ الإنجيل صريحةً في التَّبشيرِ بمحمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، منْ هوَ (البارقليطُ) إنْ لم يكنْ محمَّدًا؟. ومنْ هوَ الّذِي وبَّخَ العَالَم علَى خطيئتهِ سواهُ؟!. إذْ هوَ الَّذِي بُعثَ والعالمُ يسبحُ في بحورِ الفسادِ والشُّرورِ، والوثنيةُ ضاربةٌ أطنابهَا حتَّى في أهلِ الكتابِ؟. ومنْ هوَ الَّذِي جَاءَ بعدَ رفعِ عيسَى يدعُو إلَى اللّهِ ربِّ السّمواتِ والأرضِ غيرُ محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -؟.

الأدلةُ العقليةُ:
1- مَا المانعُ منْ أنْ يرسلَ اللّهُ محمَّدًا رسولًا، وقدْ أرسلَ منْ قبلهِ مئاتِ المرسلينَ وبعثَ آلافَ الأنبياءِ؟
وإذَا كانَ لَا مانعَ منْ ذلكَ عقلًا ولَا شرعًا، فبأيِّ وجهٍ تنكَر رسالتهُ وتكفر نبوتهُ - صلى الله عليه وسلم - إلَى عمومِ النَّاسِ؟
2 - الظُّروفُ الَّتي اكتنفتْ بعثتهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كانتْ تتطلَّبُ رسالةً سماوية ورسولًا
¬__________
(¬1) وعظَ ونادَى مبشرا بنبوةِ نبي، واللفظةُ (سريانية) .
(¬2) ترجمتهَا منَ اليونانيةِ إلَى العربيةِ: بالذِي لهُ حمدٌ كثيرٌ وهوَ يوافقُ معنَى "محمد" أوْ أحمدَ.

الصفحة 29