كتاب منهاج المسلم

عداوةٌ، ثم يرسلُ اللَّهُ ريحًا باردة منْ قبلِ الشَّام فلَا ييقَى علَى وجهِ الأرضِ منْ فيِ قلبهِ مثقالُ ذرة منْ خير أوْ إيمانٍ إلاَّ قبضتهُ، حتَّى لو أنَّ أَحدكم دخلَ فيِ كبدِ جبلٍ لدخلتْ عليهِ حتَّى تقبضهُ، فيبقَى شرارُ النَّاسِ في خفَّةِ الطَّيرِ وأحلامِ السبَاعِ لَا يعرفونَ معروفًا ولَا ينكرونَ منكرًا، فيتمثَّلُ لهم الشَّيطانُ فيقولُ: ألَا تستجيبونَ؟ فيقولونَ: فماذَا تأمرنَا؟ فيأمرهم بعبادةِ الأوثانِ، وهمْ فيِ ذلكَ دار رِزقهم، حسنٌ عيشهم، ثمَّ ينفخُ فيِ الصورِ فلَا يسمعهُ أحدٌ إلاَّ أصغَى ليتا (¬1) ورفعَ ليتًا، وأوَّلُ منْ يسمعهُ رجلٌ يلُوطُ حوضَ إبلهِ (¬2) . قالَ: فيصعقُ ويصعقُ النَّاسُ، ثمَّ ينزلُ اللّهُ مطرًا كأنَهُ الطلُّ، فتنبتُ منهُ أجسادُ النَّاسِ، ثمَّ ينفخُ فيهِ أخرى، فإذَا هم قيامٌ ينظرونَ، ثمَّ يقالُ: أيهَا النَّاسُ، هلمَّ إلَى ربكم، وقفوهم إنهم مسؤولونَ، ثمَّ يقالُ: أَخرجُوا بعثَ النَّارِ، فيقالُ: منْ كم؟ فيقالُ: منْ كل ألفٍ تسعمائةٍ وتسعةً وتسعينَ، فذلكَ يومُ يجعلُ الولدانَ شيبًا وذلك يومُ يكشف عنْ ساقٍ" (¬3) .
وَفيِ قولهِ - صلى الله عليه وسلم - "لَا تقومُ الساعةُ إلاَّ علَى شرارِ النَّاسِ" (¬4) . وفي قولهِ: "مَا بينَ النَّفختيِن أربعونَ، ثم ينزلُ اللهُ منَ السماءِ ماءً فينبتونَ كمَا ينبتُ البقلُ، وَليسَ منَ الإنسانِ شيءٌ إلاَّ يبلَى إلاَّ عظمًا واحدًا وهو عجبُ الذَّنبِ، ومنهُ يركّبُ الخلقُ يومَ القيامةِ" (¬5) . وفي قولهِ وهوَ يخطبُ: "أيُّهَا الناسُ إنّكم محشورونَ إلَى ربكم حفاةً عراةً غُرلًا، ألَا وإن أولَ الخَلقِ يكسَى إبراهيمُ - صلى الله عليه وسلم - ألَّا وإنَّهُ سيجاءُ برجالٍ منْ أمَّتي فيؤخذُ بهم ذاتَ الشمالِ، فأقولُ: يا رب أصحابي، فيقولُ: إنَّكَ لَا تدرِي مَا أحدثُوا بعدكَ" (¬6) . وفي قولهِ: "لَا تزولُ قدمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يسألَ عنْ أربع: عنْ عمرهِ فيمَا أفناهُ، وعنْ علمَهِ مَا عملَ بهِ، وعنْ مالهِ منْ أينَ اكتسبهُ وفيمَا أنفقهُ، وعنْ جسدهِ فيمَا أبلاهُ" (¬7) . وفي قولهِ - صلى الله عليه وسلم - "حوضِي مسيرةُ شهرٍ، ماؤهُ أبيضُ من اللبن، وريحهُ أطيبُ منَ المسكِ، وكيزَانهُ كنجومِ السَّماءِ، منْ شربَ منهُ لَا يظمَأ أبدًا" (¬8) . وفي قولهِ لعائشةَ رضي الله عنها لماَّ ذكرتِ النَّارَ بكتْ: "مَا يبكيكِ؟ " قالتْ: ذكرتُ النارَ فبكيتُ، فهَل تَذكرونَ أهليكم يومَ القيامةِ؟. فقالَ "أمَّا فيِ ثلاثةِ مواطنَ فلَا يذكر أحد أحداً: عندَ الميزانِ حتَّى يعلمَ أيخفُّ ميزانهُ أمْ يثقلُ؟ وعندَ تطاير الصحفِ حتَّى يعلمَ أينَ يقعُ
¬__________
(¬1) الليتُ: صفحةُ العنقِ، أَي أمالَ صفحةَ عنقه يسمعُ.
(¬2) يطينهُ ويصلحهُ.
(¬3) رواه مسلم (4 /2258) كتاب الفتن وأشراط الساعة.
(¬4) رواه مسلم (4 /2268) كتاب الفتن وأشراط الساعة.
(¬5) رواه مسلم (4 /2270) كتاب الفتن وأشراط الساعة.
(¬6) رواه الإمام أحمد (1/ 253) .
(¬7) رواه الترمذي (4 /529) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(¬8) رواه البخاري (8 /149) ورواه مسلم (4 /1793) كتاب الفضائل. وقد ورد كذلك في ابن ماجه (4302) والترمذي (4/ 544) .

الصفحة 34