كتاب منهاج المسلم
الفصلُ الحادِي عشرَ: فِي عذابِ القبرِ ونعيمهِ
يؤمنُ المسلمُ بأنَّ نعيمَ القبرِ وعذابه، وسؤالَ الملكيِن فيهِ حقّ وصدق، وذلكَ للأدلَّةِ النَّقليَّةِ والعقليةِ الآتيةِ:
الأدلةُ النقليةُ:
1- إخباره تعالَى بذلكَ فِي قوله {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51) } [الأنفال: 50 - 51] . وقوله: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94) } [الأنعام: 93 - 94] . وفي قوله: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) } [التوبة: 101] وفي قوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) } [غافر: 46] وفي قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27] .
2 - إخبارُ الرَّسولِ - صلى الله عليه وسلم - بذلكَ فِي قوله: "إنَّ العبدَ إذَا وضعَ في قبرهِ وتولَّى عنهُ أصحابهُ -وإّنهُ ليسمعُ قرعَ نعالهم- أتاهُ ملكانِ فيقعدانهِ، فيقولانِ لهُ: مَا كنت تقولُ فيِ هذَا الرَّجلِ؟ - لمحمد - صلى الله عليه وسلم - أمَّا المؤمنُ فيقولُ: أشهدُ أنه عبد اللّهِ ورسولهُ، فيقال لهُ: انظر إلَى مقعدكَ منَ النَّارِ قدْ أبدلَك اللّهُ بهِ مقعدًا منَ الجنَّةِ فيراهمَا جميعًا. وأمَا المنافقُ أو الكافرُ فيقولانِ لهُ: مَا كنتَ تقولُ فيِ هذَا الرجلِ؟ فيقولُ لَا أدري! كنتُ أقولُ مَا يقولُ النَّاسُ، فيقالُ لهُ: لَا دريتَ ولا تليتَ (¬1) ويُضربُ بمطارقَ منْ حدِيدٍ ضربة فيصيحُ صيحةً يسمعهُ منْ يليهِ غيرَ الثَّقليِن (¬2) " وفيِ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا ماتَ أحدكم عُرضَ عليهِ مقعدهُ بالغداةِ والعشي فإنْ كانَ منْ أهلِ الجنَّةِ فمنْ أهلِ الجنّةِ، وإنْ كانَ منْ أهلِ النَّارِ فمنْ أهلِ النَّارِ، فيقالُ لهُ: هذَا مقعدكَ حتَّى يبعثكَ اللَّهُ إلَى يومِ القيامةِ" (¬3) . وفِي قولهِ - صلى الله عليه وسلم - في دعائهِ: "اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ منْ عذابِ القبر ومن
¬__________
(¬1) تليتَ بمعنى تلوتَ أَي اتَّبعتَ.
(¬2) الإنس والجن والحديث رواه البخاري (2/ 123) .
(¬3) رواه البخاري (8/ 134) .
الصفحة 36