كتاب منهاج المسلم

عذابِ النارِ ومنْ فتنةِ المحيَا والمماتِ، ومنْ فتنةِ المسيحِ الدَّجّالِ" (¬1) . وفيِ قولهِ لماَّ مر بقبرينِ فقالَ: "إنَّهمَا يُعذبانِ ومَا يعذّبانِ فيِ كبيرٍ" ثم قالَ: "بلَى، أمّا أحدهمَا فكانَ يسعَى بالنميمةِ، وأمَّا الآخرُ فكانَ لَا يستترُ منْ بولهِ" (¬2) .
3 - إيمانُ البلاييِن منَ العلماءِ والصالحينَ والمؤمنينَ منْ أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ومنْ أمٍم أخرَى سبقتْ، بعذابِ القبرِ ونعيمهِ، وكل مَا روِي فيِ شأنهِ.

الأدلةُ العقليةُ:
1- إيمانُ العبدِ باللّهِ وملائكتهِ واليومِ الآخرِ يستلزمُ إيمانهُ بعذابِ القبرِ ونعيمهِ، وبكلِّ مَا يجرِي فيهِ، إذِ الكل منَ الغيبِ فمنْ آمنَ بالبعضِ لزمهُ عقلًا الإيمانُ بالبعضِ الآخرِ.
2 - ليسَ عذابُ القبرِ أوْ نعيمهُ، أوْ مَا يقعُ فيهِ منْ سؤالِ الملكينِ ممَا ينفيهِ العقلُ أوْ يحيلهُ، بلْ العقلُ السَّليمُ يقرهُ ويشهدُ لهُ.
3 - إنَّ النائمَ قدْ يرَى الرؤيَا ممَّا يسر لهُ فيتلذَّذُ بهَا وينعمُ بتأثيرهَا في نفسهِ، الأمرُ الَّذِي يحزنُ لهُ أوْ يأسفُ إنْ هوَ استيقظَ، كمَا أنّهُ قدْ يرَى الرؤيَا ممّا يكرهُ فيسَتاءُ لهَا ويغتمُّ، الأمرُ الَّذِي يجعلهُ يحمدُ منْ أيقظهُ لو أنَ شخصًا أيقظهُ، فهذَا النَّعيمُ أوِ العذابُ فيِ النَّومِ يجرِي علَى الروحِ حقيقةً وتتأثرَ بهِ، وهوَ غيرُ محسوس ولَا مشاهدٍ لنَا، ولَا يُنكرهُ أحدٌ، فكيفَ ينكرُ إذا عذابَ القبرِ أوْ نعيمهُ، وهوَ نطرهُ تمامًا.

الفصلُ الثَانِي عشرَ: الإيمانُ بالقضاءِ والقدرِ
يؤمنُ المسلمُ بقضاءِ اللّهِ وقدرهِ (¬3) وحكمتهِ ومشيئتهِ، وأنّهُ لَا يقعُ شيء فيِ الوجودِ حتَّى أفعالُ العبادِ الاختياريةُ إلاَّ بعدَ علمِ اللّهِ بهِ وتقديرهِ. وأنّهُ تعالَى عدل في قضائهِ وقدرهِ، حكيم في تصرفهِ وتدبيرهِ. وأنّ حكمتهُ تابعةٌ لمشيئتهِ. مَا شاءَ كانَ، ومَا لمَ يشأْ لم يكنْ، ولَا حولَ ولَا قوةَ إلاَّ بهِ تعالَى. وذلكَ للأدلّةِ النقليةِ والعقليةِ التاليةِ:

الأدلةُ النقليةُ:
1- إخبارهُ تعالَى عنْ ذلكَ فيِ قولهِ: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] . وقوله
¬__________
(¬1) رواه البخاري (1/ 211) .
(¬2) رواه البخاري (1/ 65) .
(¬3) القضاءُ: حكمُ اللهِ سبحانهُ أزلًا بوجودِ الشيء أو عدمهِ، والقدرُ: إيجادُ الله تعالَى الشيءَ علَى كيفيةٍ خاصة في وقت خاص، وقدْ يطلقُ كل منهمَا علَى الآخرَ.

الصفحة 37