كتاب منهاج المسلم

حكمُ توريثهم:
اختلفَ فيِ توريثِ ذوِي الأرحام فقالَ بعض منَ الصحابة والتابعينَ والأئمَّةِ بعدمِ إرثهم؛ لأن اللّهَ تعالَى لم يورِّثهم فيِ كتابه فقدْ تولى تعالَى قسمةَ التركاتِ بنفسهِ فيِ كتابهِ العزيزِ فحصرهَا في أصحابِ الفروضِ والعصباتِ.. ومنَ الأئمَّةِ القائلينَ بعدمِ إرثهم مالك والشافعي رحمهمَا الله تعالَىَ.
وقالَ بعض بتوريثهم ومنهم أبو حنيفةَ وأحمدُ رحمهمَا اللّهُ تعالَى، واستدلوا بآثارٍ دلتْ على أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ورَّثَ بعضَ ذوِي الأرحامِ عندَ عدمِ وجودِ وارثٍ منَ الورثةِ الذينَ ذكرهمُ اللّهُ تعالَى في كتابه منْ ذلكَ قولهُ - صلى الله عليه وسلم -: "الخالُ وارثُ منْ لَا وارثَ لهُ" (¬1) .

الراجحُ منَ المذهبينِ:
الراجحُ منَ المذهبينِ هوَ مذهبُ منْ قالَ بتوريثهم؛ ولذَا رجعَ كثير منَ الفقهاءِ المالكيةِ والشافعيةِ إلَى القولِ بتوريثهم؛ وذلكَ لأن ذوِي الأرحامِ قرابة والقرابةُ تجبُ صلتهم؛ ولأنهم تربطهم بالهالكِ رابطةُ القرابةِ ورابطةُ الإسلامِ. بخلافِ بيتِ المالِ فإن الهالكَ لَا تربطهُ بهَا إلاَّ الإسلامُ، زيادةً علَى ذلكَ أنهمُ اشترطُوا لبيتِ المالِ أنْ يكونَ منتظمًا، وأنْ يكونَ القائمُ عليهِ عدلًا، والمشرفُ عليهِ أمينًا، وأنْ ينفقَ فيِ مصالحِ المسلمينَ عامةً، وقدْ تخلَّفتْ هذهِ الشُّروطُ فتعينَ أنْ يورثَ ذوُو الأرحامِ بدل بيت المالِ.

كيفيةُ توريثِ ذوِي الأرحامِ:
يورَّثونَ بتنزيلهم منزلةَ منْ أدلَوا بهِ منْ أصحابِ الفروضِ والعصباتِ، فيعطَى أحدهم مَا يعطاهُ مورِّثهُ الذِي أدلَى بهِ ونزلَ منزلتهُ، فلو هلكَ هالك عنْ بنتِ بنتٍ، وابنِ أختٍ فالتركةُ بينهمَا أنصافٌ فلبنتِ البنتِ النِّصفُ؛ لأنهُ ميراثُ أمِّهَا، ولابنِ الأختِ النِّصفُ ميراثُ أمِّهِ؛ إذْ لو هلكَ هالكٌ وتركَ بنتًا وأختًا لكانَ المالُ بينهمَا نصفينِ؛ لأنَّ فرضَ البنتِ النِّصفُ، وفرضَ الأختِ النِّصفُ. ولو فرضنَا أن الأختَ كانتْ شقيقة وكانَ معهَا بنتُ أخ لأب لم يكنْ لبنتِ الأخِ شيءٌ؛ لأن منْ أدلتْ به وهوَ الأخُ لأبٍ محجوبٌ بالشقيقةِ. وتبقَى التركةُ بينَ بنتِ البنتِ وابنِ الأختِ نصفينِ هكذَا: ممم
¬__________
(¬1) رواهُ الترمذي (2103) وأبو داودَ كتاب الفرائض (8) وفي سندهِ ضعف.

الصفحة 389