كتاب منهاج المسلم

يَا آدمُ! أنتَ أبونَا خيبتنَا وأخرجتنَا منَ الجنَّةِ، فقالَ آدمُ: أنتَ موسَى اصطفاكَ اللّهُ بكلامِه، وخطَّ لكَ التَّوراةَ بيدهِ تلومني علَى أمرٍ قدَّرهُ اللَّهُ علي قبلَ أنْ يخلقني بأربعينَ عاماً فحجَّ (¬1) آدمُ موسَى" (¬2) . وفي قولهِ - صلى الله عليه وسلم - في تعريفِ الإيمان: "أنْ تؤمنَ باللَّهِ، وملائكتهِ، وكتبهِ ورسلهِ، واليومِ الآخرِ، وتَؤمنَ بالقدرِ خَيرهِ وشرهِ" (¬3) . وفيِ قولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اعملُوا فكل ميسَّر لما خلقَ لهُ) (¬4) . وفيِ قولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إن النَّذرَ لَا يردُّ قضاءً" (¬5) . وفي قولهِ - صلى الله عليه وسلم - لعبدِ اللهِ بنِ قيسٍ: "يَا عبدَ اللَّهِ بنَ قيس ألَا أعلِّمكَ كلمةً هيَ منْ كنوزِ الجنّةِ؟ لَاَ حولَ ولَا قوةَ إلا بالله" (¬6) . وفي قولهِ - صلى الله عليه وسلم - لمنْ قالَ مَا شاءَ الله وشئتَ: "قلْ مَا شاءَ اللّهُ وحدهُ" (¬7) .
3 - إيمانُ مئاتِ الملايينِ منْ أمَّةِ محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - منْ علماءَ وحكماءَ وصالحينَ وغيرهم بقضاءِ اللهِ تعالَى وقدرهِ، وحكمتهِ ومشيئتهِ، وأنَّ كلَّ شيء سبقَ به علمه، وجرَى به قدرة، وأنه لَا يكونُ فيِ ملكهِ إلاَّ مَا يريدُ، وأنَّ مَا شاءَ كانَ، ومَا لم يشأْ لم يكنْ، وأنَّ القلمَ جرَى بمقاديرِ كلِّ شيءٍ إلَى قيامِ السَّاعةِ.

الأدلْةُ العقليةُ:
1- إنَّ العقلَ لَا يُحيل شيئًا منْ شأنِ القضاءِ والقدرِ، والمشيئةِ، والحكمةِ، والإرادةِ، والتدبيرِ، بلْ العقلُ يوجبُ كلّ ذلكَ ويحتِّمهُ لماَ لهُ منْ مظاهرَ بارزةٍ فيِ هذا الكونِ.
2 - الإيمانُ بهِ تعالَى وبقدرتهِ يستلزمُ الإيمانَ بقضائهِ وقدرهِ وحكمتهِ ومشيئته.
3 - إذَا كانَ المهندسُ المعماري يرسمُ علَى ورقةٍ صغيرةٍ رسماً لقصرٍ منَ القصورِ، ويحدد له زمنَ إنجازهِ، ثم يعملُ علَى بنائهِ، فلَا تنتهِي المدةُ الَّتي حددهَا حتى يخرجَ القصرُ منَ الورقةِ إلَى حيِّزِ الوجودِ، وطِبقَ مَا رسمَ علَى الورقةِ بحيثُ لَا ينقصُ شيءٌ -وإنْ قلّ- ولَا نريدُ، فكيفَ يُنكَرُ علَى اللّهِ أنْ يكونَ قدْ كتبَ مقاديرَ العالمِ إلَى قيامِ السَّاعةِ، ثم لكمالِ قدرتهِ وعلمهِ يخرجُ ذلكَ المقدرُ طبقَ مَا قدّرهُ فيِ كمِّيتهِ وكيفيتهِ، وزمانهِ ومكانهِ، ومعَ العلمِ بأن اللّهَ تعالَى علَى كلِّ شيءٍ قديرٌ؟!.
¬__________
(¬1) حجهُ: غلبهُ في الحجةِ وبيان ذلكَ أن لومَ موسي كانَ في غيرِ محله؛ لأنهُ إنْ لامهُ علَى الخروجِ منَ الجنةِ كانَ قدْ لامهُ علَى أمر لابد من وقوعه لماَ قضاهُ اللْهُ، وإنْ لامهُ علَى الذنب، فاٍن آدمَ تابَ منهُ، ومنْ تابَ لَا يلامُ عقلا ولَا شرعاً.
(¬2) رواه مسلم (4/ 2042) كتاب القدر.
(¬3) رواه مسلم في حديث جبريل (1/ 37) كتاب الإيمان.
(¬4) رواه مسلم (4/ 2040) كتاب القدر.
(¬5) رواه مسلم (3/ 261) كتاب القدر. ورواه الجماعة كلهم بألفاظ مختلفة.
(¬6) رواه البخاري (5/ 170) ورواه مسلم (4/ 2077) كتاب الذكر والدعاء.
(¬7) رواه الإمام أحمد (1/ 214، 282) وابن ماجه (2117) .

الصفحة 39