كتاب منهاج المسلم
الفصلُ الثَّامنُ: فِي اليمينِ والنَّذرِ
وفيهِ مادتانِ:
المادَّة الأولَى: فِي اليمينِ:
1 - تعريفهَا: اليمينُ، هيَ الحلفُ بأسماءِ اللّهِ تعالَى، أوْ صفاتهِ نحوَ: واللّهِ لأفعلنَّ كذا .. أوْ: والذِي نفسِي بيدهِ، أوْ ومقلبِ القلوبِ.
2 - مَا يجوزُ منهَا ومَا لَا يجوزُ: يجوزُ الحلفُ بأسماءِ اللّهِ تعالَى؛ إذ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحلفُ باللّهِ الذِي لَا إلهَ غيرهُ، ويحلفُ بقولهِ: "والذِي نفس محمدٍ بِيدهِ". وحلفَ جبريلُ -عليه السلام- بعزةِ اللّهِ تعالَى فقالَ: "وعزتكَ لَا يسمعُ بهَا أحدٌ إلاَّ دخلهَا" (¬1).
ولَا يجوزُ الحلفُ بغيرِ أسماءِ اللّهِ تعالَى وصفاتهِ، سواء كانَ المحلوفُ بهِ معظمًا شرعًا كالكعبةِ المشرفةِ -حماهَا اللّهُ- النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يكنْ؛ وذلكَ لقولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "منْ كانَ حالفًا فليحلفْ باللَّهِ أوْ ليصمتْ" (¬2). وقولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تحلفُوا إلاَّ باللهِ، ولَا تحلفُوا إلاَّ وأنتم صادقونَ" (¬3). وقولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "منْ حلفَ بغيرِ اللهِ فقدْ أشركَ" (¬4). وقولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "منْ حلفَ بغيرِ اللهِ فقدْ كفرَ" (¬5).
3 - أقسامهَا: اليمينُ، ثلاثةُ أقسام، وهيَ:
1 - الغموسُ: وهيَ أنْ يحلفَ المرءُ متعمِّدًا الكذبَ، كأنْ يقولَ: واللهِ لقدِ اشتريتُ كذَا بخمسينَ مثلًا، وهوَ لم يشترِ بهَا، أوْ يقولَ: واللّهِ لقدْ فعلتُ كذَا، وهوَ لم يفعلْ. وسميتْ هذهِ اليمينُ بالغموسِ؛ لأنهَا تغمسُ صاحبهَا فيِ الإثمِ، وهذهِ اليمينُ هيَ المعنيةُ بقولِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم -: "منْ حلفَ علَى يمينٍ وهوَ فيهَا فاجرٌ ليقتطعَ بهَا مالَ امرئٍ مسلمٍ لقيَ اللهَ وهوَ عليهِ غضبانُ" (¬6).
وحكمُ يمينِ الغموسِ أنهَا لَا تجزىءُ فيهَا الكفارةُ، وإنمَا يجبُ فيهَا التوبةُ والاستغفارُ (¬7)؛ وذلكَ لعظمِ ذنبهَا، ولَا سيمَا إذَا كانَ يتوصلُ بهَا إلَى أخذِ حقِّ امرئٍ مسلمٍ بالباطلِ.
ب- لغوُ اليميِن: وهيَ مَا جرِي على لسانِ المسلمِ منَ الحلفِ بدونِ قصدٍ، كمنْ يكثرُ فيِ كلامهِ قولُ: لَا واللّهِ، وبلَى واللّهِ؛ لقولِ عائشةَ رضيَ اللّهُ تعالَى عنهَا: "اللغوُ فيِ اليميِن كلامُ الرجلِ في بيتهِ لَا واللّهِ" (¬8). ومنهَا أنْ يحلفَ المسلمُ علَى الشيءِ يظنُّهُ كذَا فيتبينُ علَى
¬__________
(¬1) رواه الترمذي (2560) وصححهُ.
(¬2) رواه البخاري (3/ 235). ورواه مسلم في الإيمان (3). ورواه الإِمام أحمد (2/ 520).
(¬3) رواه أبو داود في الأيمانِ والنذورِ (5). ورواه النسائي في الأيمانِ والنذورِ (6).
(¬4) رواه الإمام أحمد (2/ 67، 87، 125).
(¬5) رواه الترمذي (1535). ورواه الحاكم (1/ 18).
(¬6) رواه البخاري (3/ 169). ورواه أبو داود في النذور (2). ورواه الترمذي (1269). ورواه ابن ماجه (2323).
(¬7) خلافًا للشافعي رحمهُ اللهُ فإنهُ يرَى وجوبَ الكفارة في اليمينِ الغموسِ.
(¬8) رواهُ البخاري فيِ صحيحهِ.
الصفحة 392