كتاب منهاج المسلم

الفصلُ الثَّالثَ عشرَ: فِي توحيدِ العبادةِ
يؤمنُ المسلمُ بألوهيَّةِ اللّهِ تعالَى للأوَّلينَ والآخرينَ، وربوبيَّتهِ لجميعِ العالمينَ، وأنَّهُ لَا إلهَ غيرهُ، ولَا رب سواهُ، فلذَا هوَ يخصُّ اللّهَ تعالَى بكلِّ العباداتِ الَّتي شرعهَا لعبادهِ، وتعبَّدهم بهَا، ولَا يصرفُ منهَا شيئًا لغيرِ اللّهِ تعالَى. فإذَا سألَ سألَ اللّهَ، وإذَا استعانَ استعانَ باللّهِ، وإذَا نذرَ لَا ينذرُ لغير اللّهِ. فللَّهِ وحدهُ جميعُ أعمالهِ الباطنةِ منْ خوفٍ ورجاءٍ وإنابةٍ ومحبةٍ وتعطيم وتوكُلٍ، والظاهرةِ منْ صلاةٍ وصيامٍ وحج وجهادٍ. وذلكَ للأدلَّةِ النقليَّةِ والعقليةِ الآتيةِ:

الأدلةُ النقليَّةُ:
1 - أمرهُ تعالَى بذلكَ فيِ قولهِ: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: 14] . وفي قولهِ: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة] وفي قولهِ تعالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] وفيِ قولهِ: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعليمُ} [فصلت: 36] . وقوله: {وَعَلَى اَللَّهِ فَليَتَوَكلِ اَلمؤمِنُونَ} [التغابن: 13] .
2 - إخبارهُ تعالَى عنْ ذلكَ بقولهِ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] وفي قولهِ: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة: 256] وفي قولهِ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) } [الأنبياء: 25] {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) } [الزمر: 64] . وفي قولهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) } [الفاتحة: 5] وفي قولهِ عز وجل: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) } [النحل: 2] .
3 - إخبارُ رسولهِ - صلى الله عليه وسلم - بذلكَ فيِ قولهِ لمعاذِ بنِ جبلٍ - رضي الله عنه - بما لماَّ بعثهُ إلَى اليمنِ: "فليكنْ أوَّلُ مَا تدعوهم إليهِ أنْ يوحدُوا اللهَ تعالَي" (¬1) . وفي قولهِ أيضًا: "يَا معاذُ! أتدرِي مَا حق اللَّهِ علَى العبادِ؟ " قالَ: اللَّهُ ورسولُه أعلمُ. قالَ: "أَنْ يعبدوهُ ولَا يشركُوا بهِ شيئاً" وفي قولهِ لعبدِ اللّهِ ابنِ عباس - رضي الله عنه -: "إذَا سألتَ فاسألِ اللَّهَ وإذَا استعنتَ فاستعنْ باللَّهِ". وفيِ قوَله - صلى الله عليه وسلم - لمنْ قالَ
¬__________
(¬1) الحديث رواه البخاري كتاب الزكاة (41، 63) ومسلم كتاب الإيمان (29، 31) .

الصفحة 40