كتاب منهاج المسلم

وأما سرايةُ القودِ فهدرٌ، فلو قطعَ أحدٌ يدَ أحدٍ فاقتصَّ منهُ بقطع يدهِ ثم لم يلبثْ أنْ ماتَ متأثرًا بالجرحِ فلَا شيءَ لهُ إلاَّ إذَا كانَ هناكَ حيف حالَ القصاصِ بأَنْ كانَ القطعُ بآلةٍ كالَّةٍ أوْ مسمومةٍ مثلاً فتضمنُ السِّرايةُ حينئذٍ.
* لَا يقتصُّ فيِ جرحٍ أوْ عضوٍ قبلَ برئهِ؛ لنهي النَبي - صلى الله عليه وسلم - عنِ القودِ فيِ الجرحِ قبلَ البرءِ (¬1) لأنهُ لَا يؤمنُ أنْ يسريَ الجرحُ إلَى باقِي الجسدِ فيتلَفهُ، فلذَا لو خالفَ أحدٌ واقتص قبلَ البرءِ ثمَّ سرَى جرحهُ فأتلفَ لهُ عضوًا آخرَ، فلَا حق لهُ فيِ المطالبةِ فيِ السرايةِ لمخالفتهِ النَّهيَ عنِ القودِ قبلَ البرءِ.

المادةُ الرابعةُ: فِي الديةِ:
1 - تعريفهَا: الدِّيةُ هيَ مَا يؤدَّى منَ المالِ لمستحق الدَّمِ.
2 - حكمهَا: الديةُ مشروعة، بقولِ اللّهِ تعالَى: { .... وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92]. وبقولِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم -: "منْ قتلَ لهُ قتيلٌ فهوَ بخيرِ النظرينِ: إمَّا أنْ يودَى وإما أنْ يقادَ" (¬2).
3 - علَى منْ تجبُ الدِّيةُ: تجبُ الديةُ علَى كل منْ قتلَ إنسانًا بمباشرةٍ أوْ بسببٍ منَ الأسبابِ، فإنْ كانَ عامدًا فالدِّيةُ في مالهِ، وإنْ كانَ القتلُ شبهَ عمدٍ أوْ خطإٍ فالدِّيةُ علَى عاقلتهِ؛ لقضاءِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - بذلكَ، فقدِ اقتتلتِ امرأتانِ فرمتْ إحداهمَا الأخرَى بحجرٍ فقتلتهَا ومَا فيِ بطنهَا، فقضَى رسولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - بديةِ المرأةِ علَى عاقلتهَا (¬3).
والعاقلةُ هنَا الجماعةُ الذينَ يؤدُّونَ العقلَ -أي الدِّيةَ- والمرادُ بهم عصبةُ الرجلِ منْ آبائهِ وإخوانهِ وأبناءِ إخوانهِ وأعمامهِ وأبناءِ أعمامهِ فيوَزعونَ بينهمُ الديةَ فيدفعُ كل بحسبِ حالهِ وتقسَّطُ عليهم لمدةِ ثلاثِ سنواتٍ، ففِي كل سنةٍ يدفعونَ ثلثَ الدِّيةِ إلَى أنْ تستوفَى كاملةً، وإنْ استطاعُوا دفعهَا حالًا فلَا مانعَ.
4 - عمَّنْ تسقطُ الديةُ: عنْ والدٍ أدَّبَ ولدهُ فماتَ، أوْ سلطانٍ أدَّبَ رعيَّتهُ، أوْ معلّمٍ أدَّبَ تلميذَهُ فماتَ، وذلكَ إذَا لم يسرفُوا فيِ الضَّربِ ولم يتجاوزُوا الحدَّ المعروفَ فيِ التَّأديبِ.

5 - مقاديرُ الدّياتِ:
1 - ديةُ النَفسِ: إذَا كانَ المودَى حرًّا مسلمًا فديتهُ مائةُ بعيرٍ، أوْ ألفُ مثقالٍ ذهبًا أوْ اثنَا
¬__________
(¬1) رواهُ الدارقطني وهوَ ضعيفٌ بعلة الإرسال، قالَ بعضهم بالاستحبابِ فقطْ لَا بالوجوبِ.
(¬2) سبق تخريجه.
(¬3) رواه ابن ماجه (2633).

الصفحة 408