كتاب منهاج المسلم
عبادهِ الصَّالحينَ، وأنهُ تعالَى انتدبَ عبادهُ إلَى التَّقربِ منهُ، والتَّودُّدِ منه، والتَّوسلِ إليه، فهوَ لذلكَ يتقرَّبُ إلَى اللّهِ تعالَى، ويتوسَّلُ إليهِ بصالحِ الأعمالِ، وطيبِ الأقوالِ، فيسألهُ تعالَى ويتوسَّلُ إليهِ بأسمائهِ الحسنَى وصفاتهِ العلَى، وبالإيمانِ بهِ وبرسولهِ وبمحبَّتهِ تعالَى، ومحبَّةِ رسولهِ - صلى الله عليه وسلم - ومحبة الصالحين، وعامّة المؤمنينَ، ويتقربُ إلَى اللّهِ تعالَى بفرائضِ الصلاةَ والزّكاةَ والصَّومِ والحجِّ، وبنوافلهَا، كمَا يتقربُ إليهِ بتركِ المحرماتِ، واجتنابِ المنهياتِ، ولَا يسألُ اللّهَ تعالَى بجاهِ أحدٍ منْ خلقهِ، ولَا بعملِ عبد منْ عبادهِ؛ إذْ ليسَ جاهُ ذِي الجاهِ منْ كسبهِ، ولَا عملُ صاحبِ العملِ منْ عملهِ فيسألَ اللّهَ بهِ، أوْ يقدمهُ وسيلة بينَ يديهِ.
واللّهُ تعالَى لم يشرعْ لعبادهِ أنْ يتقربُوا إليهِ بغيرِ أعمالهم، وزكاةِ أرواحهم بالإيمانِ والعملِ الصالحِ، وذلكَ للأدلةِ النّقليَّةِ والعقليَّةِ التّاليةِ:
الأدلةُ النقليةُ:
1 - إخبارهُ تعالَى عنْ ذلكَ بقولهِ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]. وَفي قَوْله: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51]. وفي قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35]. وقوله سَبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57] وفيِ قولهِ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31] {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)} [آل عمران: 53] وقولهِ تعالَى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران: 193] وفي قولهِ: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} [الأعراف: 180]. وقوله: {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)} [العلق: 19].
2 - إخبارُ رسولهِ - صلى الله عليه وسلم - عنْ ذلكَ بقولهِ: "إنَّ اللَّهَ طيبٌ لَا يقبلُ إلاَّ طيبًا" (¬1). وفيِ قولهِ: "تعرفْ إلَى اللَّهِ فيِ الرَخاءِ يعرفكَ في الشِّدّةِ" (¬2). وفيِ قولهِ فيمَا يرويهِ عنْ ربهِ سبحانهُ: "ومَا تقرَّبَ إلي عبدِي بشيء أحبّ إليَ ممَّا افترضتهُ عليهِ، ولَا يزالُ عبدِي يتقرَّبُ إليَ بالنَّوافلِ حتَّى
¬__________
(¬1) رواه مسلم (65) كتاب الزكاة.
(¬2) وردَ الحديث فيِ الدر المنثورِ للسيوطي (1/ 66) وتفسير الطبري (6/ 398).
الصفحة 42