كتاب منهاج المسلم

جـ- إذَا تابُوا قبلَ أنْ يُقدرَ عليهم بأنْ تركُوا الحرابةَ منْ أنفسهم وسلَّمُوا أرواحهم للسُّلطانِ سقطَ عنهم حقُّ اللّهِ تعالَى، بقيَ عليهم حقوقُ العبادِ فيحاكمونَ فِي الدِّماءِ والأموالِ فيضمنونَ الأموالَ ويقادونَ فِي الأرواحِ إلاَّ أنْ تُقبلَ منهمُ الدِّيةُ، أوْ يُعفَى عنهم؛ إذْ كلُّ ذلكَ جائزٌ لقولهِ تعالَى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 34] . ولَا مانعَ منْ أنْ يديَ عنهم الإمامُ (¬1) ، أوْ يَغرمَ مَا أخذُوا منْ أموالٍ إنْ لم تكنْ بأيديهم ولَا فِي حوزتهم.

المادةُ السادسةُ: فِي أهلِ البغيِ: (¬2)
تعريفهم: أهلُ البغيِ همُ الجماعةُ ذاتُ الشوكةِ والقوةِ تخرجُ عنِ الإمامِ بتأويلٍ سائغٍ معقولٍ كأنْ يظنُّوا كفرَ الإمامِ، أوْ حيفهُ وظلمهُ، فيتعصبونَ ويرفضونَ طاعتهُ ويخرجونَ عنهُ.
أحكامهمْ: 1 - أنْ يراسلهمُ الإمام ويتصلَ بهم فيسألونَ عمَّا ينقمونَ منهُ، وعنْ أسبابِ خروجهم عنهُ، فإنْ ذكروا مظلمةً لهم، أو لغيرهم أزالهَا الإمامُ، وإنْ ادعوا شبهةً منَ الشُّبهِ كشفهَا الإمامُ لهمَ وبيَّنَ وجهَ الحقِّ منهَا، وذكرَ لهم دليلهُ فيهَا، فإنْ فاؤُوا إلَى الحق قُبلتْ فيئتهم وإنْ أبوْا قوتلُوا وجوبًا منْ كافَّةِ المسلمينَ؛ لقولهِ تعالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] .
2 - لَا ينبغِي قتالهم بمَا منْ شأنهِ أنْ يبيدهم كالقصفِ بالطائراتِ أوْ المدافعِ المدمرةِ. وإنمَا يقاتلونَ بمَا يكسرُ شوكتهم ويرغمهم علَى التسليمِ فقطْ.
3 - لَا يجوزُ قتل ذراريهم ولَا نسائهم ولَا مصادرةُ أموالهم.
4 - لَا يجوز الإجهازُ علَى جريحهم، كمَا لَا يجوزُ قتلُ أسيرهم ولَا قتلُ مدْبِرٍ هاربٍ منهم؛ لقولي علي - رضي الله عنه - يومَ الجملِ: "لَا يقتلنَّ مدبرٌ، ولَا يجهزُ علَى جريح، ومنْ أغلقَ بابهُ فهوَ آمنٌ" (¬3) .
5 - إذَا انتهتِ الحربُ وانهزمُوا فلَا يقادُ منهم ولَا يطالبونَ بشيءٍ سوَى التَّوبةِ والرّجوعِ إلَى الحق؛ لقولهِ تعالَى: {فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9] .
[تنبيهٌ] : إذَا اقتتلتْ طائفتانِ منَ المسلمينَ لعصبيةٍ أوْ مالٍ أوْ منصبٍ بدونِ تأويل، فهمَا ظالمتانِ معًا، وتضمنُ كل واحدةٍ منهمَا مَا أتلفتْ منْ نفسٍ ومال للأخرَى.
¬__________
(¬1) يدِي عنهم: يدفعُ عنهمُ الديةَ [لسانُ العربِ] .
(¬2) البغيُ: هوَ الظلمُ والاعتداءُ.
(¬3) رواهُ سعيدُ بنُ منصور وروَى بمعناهُ ابن أبي شيبةَ والحاكمُ والبيهقي.

الصفحة 421