كتاب منهاج المسلم
الفصلُ الثَّانِي عشرَ: فِي أحكامِ القضاءِ، والشَّهاداتِ
وفيهِ ثلاثُ مواد:
المادةُ الأولَى: فِي القضاءِ:
1 - تعريفهُ: القضاءُ بيانُ الأحكامِ الشرعيةِ وتنفيذهَا.
2 - حكمهُ: القضاءُ من فروضِ الكفايةِ، فعلَى الإمامِ أنْ ينصِّبَ فِي كلِّ بلدٍ منْ بلادَ ولايتهِ قاضيًا ينوبُ عنهُ فِي تبيينِ الأحكامِ الشَّرعيةِ، وإلزامِ الرَّعيَّةِ بهَا؛ لقولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يحلُّ لثلاثةِ نفر يكونونَ فِي فلاةٍ منَ الأرضِ إلاَّ أمَّرُوا عليهم أحدهمْ" (¬1).
3 - خطرُ منصبِ القضاءِ: منصبُ القضاءِ منْ أخطرِ المناصبِ وأعظمهَا شأنًا؛ إذْ هوَ نيابةٌ عنِ اللهِ تعالَى، وخلافة لرسولهِ - صلى الله عليه وسلم -، فلهذَا حذرَ منهُ رسولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ونبَّهَ إلَى خطورتهِ، بقولهِ: "منْ جُعلَ قاضيًا لنَ الناسِ، فقدْ ذبحَ بغيرِ سكِّينٍ" (¬2). وقالَ - صلى الله عليه وسلم -: "القضاةُ ثلاثة: واحد فِي الجنةِ واثنانِ فِي النَّارِ؛ فأما الذِي فِي الجنَّةِ فرجلٌ عرفَ الحق وقضَى بهِ، ورجلٌ عرفَ الحق وجارَ في الحكمِ فهوَ في النارِ، ورجل قضَى للنَّاسِ علَى جهلٍ فهوَ في النَّار" (¬3). وقالَ لعبدِ الرحمنِ: "يَا عبدَ الرحمنِ بنَ سمرةَ لَا تسألِ الإمارةَ، فإنكَ إنْ أعطيتهَا منْ غيرِ مسألةٍ أُعنتَ عليهَا، وإنْ أعطتهَا عنْ مسألةٍ وُكِلتَ إليهَا" (¬4). وقولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "سيحرصونَ علَى الإمارةِ وستكونُ ندامة يومَ القيامةِ، فنعمَ المرضعةُ، وبئس الفاطمةُ" (¬5).
4 - لَا يولَّى القضاءَ منْ يطلبهُ: لَا ينبغِي أنْ يسندَ منصبُ القضاءِ لرجلٍ طلبهُ، أوْ لرجلٍ يحرصُ علَى الحصولِ عليهِ؛ لأن القضاءَ تبعةٌ ثقيلةٌ، وأمانةٌ عظيمة لَا يطلبهَا إلاَّ مستخفٌّ بشأنهَا، مستهين بحقِّهَا، لَا يؤمنُ أنْ يخونهَا، ويعبثَ بهَا، وفي ذلكَ منْ فسادِ الدِّينِ والبلادِ والعبادِ مَا لَا يتحمَّلُ ولَا يطاقُ، ولذَا قالَ رسولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّا والله لَا نولِّي هذَا العملَ أحدًا يسألهُ أوْ أحدًا يحرصُ عليهِ" (¬6). وقالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّا لنْ نستعملَ علَى عملنَا منْ أرادهُ".
¬__________
(¬1) رواه الإمام أحمد (1/ 181، 203). ورواه أبو داود (3589).
(¬2) رواه الإمام أحمد (2/ 212). ورواه ابن ماجه (2313).
(¬3) رواه أبو داود في الخراج (10). ورواه الحاكم (1/ 23). وفِي سندهِ ضعف، غيرَ أن لهُ شاهدًا فِي صحيحِ مسلم (الإمارة 30): "من استعملناهُ منكم علَى عمل فكتمنَا مخيطًا فمَا فوقهُ، كانَ ذلكَ غلولًا يأتي بهِ يومَ القيامة".
(¬4) رواه البخاري (8/ 159). ورواه مسلم في الإِمارة (13). ورواه أبو داود (2929). ورواه الترمذي (1529). ورواه الإِمام أحمد (5/ 62).
(¬5) رواه البخاري (9/ 79).
(¬6) رواه البخاري (7) كتاب الأحكام ومسلم (14) كتاب الإمارة.
الصفحة 426