كتاب منهاج المسلم
وهذَا لماَ روَى مسلمٌ فِي صحيحهِ عنْ وائلِ بنِ حجرٍ - رضي الله عنه - أنَّ رجليِن اختصمَا إلَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حضرمي، وكندي، فقالَ الحضرمي: يَا رسولَ اللّه إنَّ هذَا غلبني علَى أرضٍ لي، فقالَ الكندي: هيَ أرضي وفِي يدِي، وليسَ لهُ فيهَا حقٌّ، فقالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - للحضرمي: ألكَ بيِّنةٌ؟ قالَ: لَا، قالَ: فلكَ يمينهُ. فقالَ: يَا رسولَ اللّهِ، الرجلُ فاجرٌ لَا يبالي علَى مَا حلفَ عليهِ، وليسَ يتورَّعُ منْ شيءٍ، فقالَ: ليس لكَ منهُ إلاَّ ذلكَ.
[تنبيهات]:
1 - إذَا علمَ القاضِي عدالةَ الشَّاهدِ حكمَ بهَا -أيِ الشهادةَ-.
2 - إذَا ادُّعيَ علَى امرأةٍ ذاتِ حجابٍ ولمْ تكنْ برزةً تقوَى علَى مخاطبةِ الرجالِ وحضورِ المحاكمِ، لم تكلَّفْ بالحضورِ، ويكفيهَا أنْ توكِّلَ منْ ينوبُ عنهَا فِي حضورِ الدعوَى.
3 - لَا يحكمُ القاضِي بعلمهِ بلْ بالبينةِ، حتى لَا يُتَّهمَ فِي عدالتهِ ونزاهتهِ، لقولِ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه -: "لوْ رأيتُ رجلًا علَى حد منْ حدودِ اللّهِ مَا أخذتهُ، ولَا دعوتُ لهُ أحدًا حتّى يكونَ معِي غيرِي" (¬1).
4 - إنْ ادُّعيَ علَى حاضر وجبَ حضورهُ، ولَا يصدرُ حكمٌ فِي غيبتهِ إلاَّ أنْ ينيبَ عنهُ وكيلًا. وإنْ كانَ غائبا استدعيَ وطلبَ حضورهُ، أو وكلَ من ينوبُ عنهُ.
5 - يُقبلُ كتابُ القاضِي إلَى القاضِي فِي غيرِ الحدودِ، إذَا هوَ أشهدَ عليهِ شهيدينِ.
6 - لَا تسمعُ دعوَى لم يحرِّرهَا المدَّعِي، كأنْ يقولَ: لي علَى فلان شيءٌ أوْ يقولَ: أظنُّ أنَّ لي عليهِ كذَا .. بلْ حتى يسمِّيَ الشَّيءَ، ويجزمَ بمَا يدّعِي فيهِ علَى المدَّعَى عليهِ.
7 - حكمُ القاضِي فِي الظَّاهرِ لَا يُحلُّ حرامًا فِي نفسِ الأمرِ، ولَا يُحرمُ حلالًا؛ لقولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنَا بشر، وإنّكم تختصمونَ إليَ، ولعلَّ بعضكم أنْ يكونَ ألحنَ بحجَّتهِ منْ بعض، فأقضيَ بنحو مَا أسمعُ، فمنْ قضيتُ لهُ بحقِّ أخيهِ شيئًا فلَا يأخذْهُ، فإنَّمَا أقطعُ لهُ قطعة منَ النَّارِ" (¬2).
8 - إذَا تعارضتِ البينتانِ ولم يوجدْ مرجِّحٌ لإحداهمَا قسمَ المدَّعَى بهِ بينَ المتخاصمينِ؛ لقضاءِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - بذلكَ (¬3).
¬__________
(¬1) رواهُ أحمدُ، وفِي هذهِ المسألةِ خلافٌ بين أهلِ العلم فمن قائِل بجوازِ الحكمِ بعلم الحاكمِ، ومن مانع، والذى يبدُو أنهُ الأقربُ إلَى الحق -واللهُ تعالَى أعلمُ- أن الحاكمَ لَا يحكَمُ بعلمه إلا إذَا كانَ علمهُ قطعيًّا يقينيًّا، ولم يخش من تهمةِ أنهُ حكمَ بهواهُ وعدمِ البينةِ.
(¬2) رواه البخاري (7169). ورواه أبو داود (3583). ورواه مالك في الموطأ (719).
(¬3) روَى أبُو داودَ والبيهقيَّ والحاكمُ: أن رجلينِ ادعيَا بعيرًا علَى عهدِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فبعثَ كل واحدٍ منهما بشاهدين فقسمهُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بينهمَا نصفينِ.
الصفحة 429